اختلالات عميقة في أسواق الفواكه والخضر والأرباح تتركز في يد الوسطاء والموزعين

الاقتصاد الوطني - 22-04-2025

اختلالات عميقة في أسواق الفواكه والخضر والأرباح تتركز في يد الوسطاء والموزعين

اقتصادكم


جدل واسع وممارسات غير أخلاقية صاحبت وضعية المنافسة في بالمغرب، خاصة قبل وأثناء شهر رمضان، ورغم ما يتوفر عليه المغرب من مؤهلات طبيعية ومكتسبات مهمة في إطار السياسات الفلاحية، فإن قنوات التسويق تبقى الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، وهو ما يعيق تحقيق أهداف التنمية الفلاحية والعدالة الاجتماعية.

ولأن سلاسل تسويق الفواكه والخضر تعد من الركائز الأساسية للمنظومة الفلاحية، لما لها من دور حيوي في ضمان توازن السوق بين العرض والطلب، وتحقيق الاستقرار في الأسعار، وتأمين دخل لائق للفلاحين، أصدر مجلس المنافسة رأيًا تحليليًا حول وضعية المنافسة في أسواق الفواكه والخضر، كاشفًا عن عدد من الاختلالات الهيكلية، واقترح توصيات من شأنها إعادة هيكلة القطاع بشكل يحقق التوازن بين مختلف الفاعلين ويحسن أداء السوق.

ورصد مجلس المنافسة مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها داخل السوق، من أبرزها الانتشار الواسع للوسطاء الذين يحققون هوامش ربح مبالغ فيها، وهو ما ينعكس سلبًا على كل من المنتجين والمستهلكين. ورغم الإمكانات الفلاحية المهمة التي يتوفر عليها المغرب فإن قنوات التسويق ما تزال تعاني من نقائص هيكلية بارزة.

واعتمد مجلس المنافسة على مقاربة "سلسلة القيمة" كإطار تحليلي شامل، من أجل دراسة الإشكالات المرتبطة بإنتاج وتسويق الفواكه والخضر.

سمحت هذه المقاربة بداية بتحديد الخصائص النوعية لهذه المنتجات، والمتمثلة أساسًا في عدم التجانس، وقابلية التلف، والموسمية. عدم التجانس ناتج عن عوامل متعددة، من بينها الخصائص النباتية، التنوع الجيني، والمصدر الجغرافي. كما أن غياب المعايير المعتمدة في السوق المغربية يسهم في انتشار ممارسات منافية للمنافسة مما يؤثر على تصور المستهلك ويؤدي إلى تفاوتات في التسعير.

أما القابلية للتلف، فإنها تحد من مدة تسويق المنتوجات وتؤدي إلى خسائر كبيرة تتراوح بين 20 و40 بالمائة في السوق المحلية. هذا الهدر يتسبب في ارتفاع التكاليف ويزيد من الضغط على الموارد المائية. بالمقابل، تستفيد الصادرات من قنوات أكثر تنظيمًا، تحد من هذه الخسائر إلى ما بين 3 و5 بالمائة.

وتوثر الموسمية بدورها على العرض والطلب والأسعار، حسب التغيرات المناخية وتفضيلات المستهلك. كما أن عدم انتظام التزويد يزعزع استقرار السوق، مما يستوجب استراتيجيات فعالة لضمان وفرة المنتجات وحسن تسويقها.

قنوات التسويق

تتنوع قنوات التسويق في المغرب بين قنوات طويلة، وقصيرة، وقصيرة جدًا. القناة الطويلة تتضمن عددًا من الوسطاء، مثل المجمعين وتجار الجملة، مما يؤدي إلى ارتفاع في التكاليف وصعوبة في تتبع مسار المنتوج. أما القنوات القصيرة، التي تعتمد على المساحات التجارية الكبرى والمنصات الرقمية، فهي تتيح قدرة أفضل على ضبط الأسعار وتقريب المنتج من المستهلك. في حين أن القنوات القصيرة جدًا، القائمة على البيع المباشر، تمنح المنتج تحكمًا كاملًا في العملية التسويقية، لكنها تتطلب تنظيمًا دقيقًا وقدرات لوجستيكية متقدمة.

رغم أن القنوات الطويلة لا تزال هي السائدة في المغرب، إلا أن البيع المباشر والقنوات القصيرة في تطور مستمر، خاصة بفضل التحول الرقمي. ومع ذلك، يبقى الطابع غير المهيكل لهذه السوق تحديًا كبيرًا يعوق التتبع ويزيد من عدم الشفافية في التسعير.

على مستوى هيكلة العرض، يتضح أن سوق الفواكه والخضر يتموقع داخل سلسلة معقدة تضم مجموعة واسعة من الفاعلين، من المنتجين إلى المستهلكين النهائيين. الإنتاج متفتت وتسيطر عليه وحدات صغيرة غير متجانسة من حيث القدرة، بينما تعتمد عملية التوزيع على قنوات طويلة تشمل عددًا كبيرًا من الوسطاء.

وأضاف مجلس المنافسة أن أسواق الجملة تلعب دورًا محوريًا، لكنها تعاني من ضعف التحديث وغياب التغطية المجالية العادلة، إضافة إلى هشاشة البنيات التحتية وطرق التدبير، ما يؤدي إلى تفاوتات وتشوهات بين الأسواق. كما أن الأسواق غير المنظمة لا تزال تهيمن على المشهد، مما يُضعف الشفافية ويفرض منافسة غير عادلة على الفاعلين المهيكلين.

اختلالات بنيوية في سلسلة الفواكه والخضر

أما من حيث سلوك الفاعلين، فقد كشفت التحليلات عن وجود اختلالات بنيوية في سلسلة الفواكه والخضر بالمغرب، يتجلى أبرزها في عدم التوازن في القوة السوقية بين المنتجين والوسطاء والموزعين. فالمنتجون، وغالبيتهم صغار ومنتشرون، يعانون من ضغط الوسطاء وتجار الجملة، الذين يملكون قدرة شرائية كبيرة. بالمقابل، يحاول الباعة بالتقسيط تغطية تكاليفهم وتحقيق استقرار نسبي في مداخيلهم.

القنوات القصيرة والرقمية تُعد بدائل واعدة، لكنها لا تزال محدودة بفعل عراقيل تنظيمية ومعارضة بعض الفاعلين التقليديين. كما أن توزيع القيمة المضافة داخل السلسلة يظل غير متوازن، إذ يحصل المنتجون على حصة ضعيفة، في حين تتركز الأرباح في يد الوسطاء والموزعين.

يساهم انعدام الشفافية وغياب التنظيم بأسواق الجملة في تفاقم هذه الوضعية. وقد تم القيام بمقارنة مرجعية دولية أظهرت تطورات هامة في هذا المجال، مثل دعم التعاونيات، وتشجيع القنوات القصيرة، والرقمنة، واعتماد حلول ذكية لتحسين سلاسل القيمة.

ويؤكد مجلس المنافسة، في رأيه، أنه رغم الأداء القوي للمغرب على مستوى التصدير وقدرته على تلبية حاجيات السوق الوطنية من الفواكه والخضر، فإن السلسلة ما تزال تعاني من اختلالات عميقة، لا سيما في مجال التسويق. هذا الأخير يتميز بتعقيد القنوات، تعدد الوسطاء، واختلال ميزان القوى، وهو ما يضر بالمزارعين الصغار والمستهلكين النهائيين.

ولمعالجة هذه الوضعية، يوصي المجلس بإعادة هيكلة شاملة للسلسلة، مع العمل على التوفيق بين القنوات التقليدية والبديلة. ويعتبر تشجيع القنوات القصيرة والقصيرة جدًا وسيلة فعالة لتقليص الفاقد، وتحسين التتبع، وتعزيز مردودية الفلاح. غير أن هذا التحول يتطلب إصلاحًا عميقًا لأسواق الجملة، مع الإسراع في تنفيذ المخطط الوطني لتأهيل هذه الأسواق، وخلق إطار قانوني ملائم لتسويق المنتجات الفلاحية بشكل مباشر.