اقتصادكم
رغم الأداء القوي الذي حققته الصناعة المغربية سنة 2024، إلا أن التنافسية ما تزال تشكل النقطة الأضعف في المشهد الصناعي الوطنيك حسب البارومتر السنوي للصناعة، الذي تم عرضه نهاية أكتوبر.
ويعيش المغرب سنة متميزة من حيث النمو الصناعي، خصوصاً في قطاعات مثل السيارات والطيران والصناعات الدوائية، التي أصبحت من بين أكبر قطاعات التصدير والتشغيل، ومع ذلك، تكمن المشكلة الأساسية في ضعف الإنتاجية وفي محدودية القيمة المضافة.
وأوضح الخبير الاقتصادي محمد جدري أن هذا الضعف ليس وليد اللحظة:"منذ 25 سنة والمغرب يبني أسس صناعته، لكنه لم ينجح بعد في رفع القيمة المضافة بالشكل الكافي. لقد وضعنا البنية التحتية والمؤهلات البشرية، لكن الصناعة لم تصل بعد إلى نضجها الكامل."
فعلى سبيل المثال، يوضح جدري أن قطاع السيارات، رغم تطوره الهائل، لا يحقق سوى نسبة إدماج محلي تتراوح بين 64 و70%، مضيفاً:"ما زلنا نستورد المحركات وأجزاء رئيسية. بين يناير وسبتمبر، استوردنا منتجات سيارات بقيمة 13,6 مليار درهم وصدّرنا ما بين 19 و20 مليار درهم فقط. القيمة المضافة الحقيقية لا تتجاوز 4 مليارات درهم، وهي ضعيفة جداً."
ضعف القيمة المضافة يمتد لقطاعات أخرى
حتى القطاعات غير الصناعية، مثل السياحة، تعاني من المشكلة نفسها، يضيف جدري:"استقبل المغرب حوالي 15 مليون سائح بين يناير وسبتمبر، بعائدات في حدود 100 مليار درهم، أي ما يعادل 500 إلى 600 يورو لكل سائح في إقامة من ستة أيام، وهو رقم ضعيف مقارنة بالإمكانيات"، في كل من الصناعة والسياحة، تبقى خلق القيمة دون المستوى الممكن.
ويُولّد ضعف الإنتاجية سلسلة من التأثيرات السلبية منها انخفاض في القيمة المضافة الوطنية، تباطؤ في خلق مناصب الشغل المؤهلة، زيادة التبعية للاستيراد وبالتالي نزيف في احتياطي العملة الصعبة، وتراجع في الإيرادات الضريبية. "حين ننتج أكثر، ندفع ضرائب أكثر ونخلق فرص عمل أكثر"، يلخص الخبير الاقتصادي.
العنصر البشري: جوهر الإشكال
يعتبر رأس المال البشري أحد أبرز العوائق أمام التنافسية، حيث أكد جدري "لدينا عدد كافٍ من التقنيين، لكننا نفتقر إلى الكفاءات العليا. التعليم لا يواكب دائماً حاجات السوق"، كما أن هجرة الكفاءات المؤهلة تفاقم الوضع:"مهندس شاب في المغرب يمكن أن يحصل على عرض عمل بالخارج يضاعف راتبه مرتين. من الصعب رفض ذلك"، يقول جدري بأسف.
ويشكل الولوج إلى الماء وتكلفة الطاقة تحديين أساسيين، حيث حذر المتحدث ذاته "لا يمكن لأي مستثمر أن يضخ 10 ملايين أو حتى 10 مليارات درهم في منطقة لم تُحل فيها مشكلة الماء"، داعياً إلى تسريع مشاريع تحلية المياه وإعادة استعمال المياه العادمة وبناء السدود.
أما في مجال الطاقة، فيؤكد على ضرورة تسريع الانتقال نحو الطاقات المتجددة (الرياح، الشمس، الهيدروجين الأخضر)، خاصة أن الاتحاد الأوروبي، السوق الرئيسي للسيارات المغربية، يتجه نحو السيارات الكهربائية، بينما يبقى الإنتاج المغربي حرارياً بالأساس، ما قد يؤدي إلى فقدان حصص سوقية مهمة.
الإصلاح المؤسسي ومحاربة الريع
إلى جانب التحديات التقنية، تبقى العقبات الإدارية والمؤسساتية من أبرز العوائق أمام تنافسية الصناعة، حيث طالب جدري "بالقضاء على نظام الامتيازات والرخص. يكفي احترام دفتر التحملات لولوج السوق"، كما انتقد بطء الإجراءات الإدارية وصعوبة المساطر القضائية، مشيراً إلى أن المغرب يجذب المستثمرين لكنه لا ينجح في الاحتفاظ بهم.
ويعتبر النظام البنكي بدوره أحد نقاط الضعف:"البنوك تموّل المجموعات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات، لكنها ترفض دعم المقاولات الناشئة والصغيرة المنتجة"، يقول الخبير، مشدداً على أن هذه الفئة من المقاولات هي التي يمكنها فعلاً رفع الإنتاجية الوطنية.
ويرى المتخصصون أن رفع التنافسية الصناعية المغربية يمر عبر تحرك منسق يشمل تعميق الإدماج المحلي، تأهيل الرأسمال البشري، تطوير البنية التحتية المائية والطاقية، وتحسين مناخ الأعمال.
فبعد سنوات من بناء القواعد، حان الوقت، كما يقول جدري، لـ تعزيز البنية الإنتاجية وتحويل النمو الصناعي الكمي إلى نمو نوعي قائم على القيمة والإنتاجية.
عن "Finances news hebdo " بتصرف