اقتصادكم - أسامة الداودي
يشكل مشروع قانون المالية 2026 خطوة محورية في تطوير الإطار الضريبي والإداري بالمغرب، إذ يهدف إلى تعزيز قاعدة الإيرادات من خلال مراجعة الضرائب وإدماج أدوات تحصيل رقمية فعّالة، مع التركيز على مكافحة الاقتصاد غير الرسمي وتحسين ملاءمة الميزانية العامة.
وفي هذا السياق، أكد أستاذ الاقتصاد العام والإحصاء بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، آدم جاكني، أن المغرب يواصل رسم ملامح تطوره الاقتصادي تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، مشيرًا إلى أن المملكة دخلت مرحلة استراتيجية مهمة ستشكل رافعة أساسية للنمو الاقتصادي، لا سيما عبر تعزيز القطاع الثالثي ومواكبة التحولات العالمية.
وفي تصريح لموقع "اقتصادكم"، تابع جاكني أن المشروع يأتي في فترة مواتية، مع توقعات لنسبة نمو الناتج الداخلي الخام تبلغ 4.5٪، وتضخم مضبوط عند 1.3٪، وهو ما يعكس قدرة المغرب على تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي وتوفير بيئة مواتية للاستثمار والنمو المستدام.
وأبرز الأستاذ الجامعي أن هذا المشروع يحمل طبيعة توسعية متناغمة مع الرؤية التي أرستها السياسة النقدية لبنك المغرب، إذ يعكس حرص الحكومة على تعزيز الشفافية المالية ومكافحة الظواهر غير الرسمية، بما يساهم في ضبط الإيرادات وتحسين أداء الميزانية العامة للدولة.
وزاد المتخصص في الاقتصاد العام والإحصاء موضحًا أن المغرب يسعى للاستفادة من الرقمنة كأداة رئيسية لتحسين إدارة المالية العمومية، بالإضافة إلى إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف حالات الاحتيال المالي وتعزيز فعالية مراقبة الموارد، وهو ما يعد خطوة مهمة نحو اقتصاد رقمي متطور ومستدام.
كما أكد جاكني أن مشروع قانون المالية الجديد يجمع بين الطابع التحفيزي والتوسعي، من خلال الإعفاءات المخططة على إيرادات الضريبة على الشركات وضريبة القيمة المضافة، وبين الطابع التقشفي الدقيق، عبر الإجراءات الموجهة للحد من الاقتصاد غير الرسمي وتسريب الإيرادات، بما يعكس استراتيجية شاملة لتحقيق التوازن المالي.
وشدد آدم جاكني على أن هذه الخطوات تعكس رؤية متماسكة تهدف إلى تعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد المغربي، من خلال توفير قواعد واضحة ومستقرة للضرائب والرقابة المالية، وهو ما يدعم القدرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.
وأوضح الأستاذ الجامعي أن التفاعل بين التحفيز والتقشف في مشروع القانون يعكس عقلانية السياسات المالية، إذ يوازن بين الحاجة لدعم النشاط الاقتصادي وتحفيز الاستهلاك وبين ضرورة حماية الموارد العامة وضمان شفافية الإيرادات، وهو ما يعزز استقرار الاقتصاد الوطني ويقوي مؤسساته المالية.
وتطرق المتحدث عينه إلى أن المشروع يسهم أيضًا في مواجهة تحديات الاقتصاد غير الرسمي، من خلال الاقتطاعات الموجهة بدقة من المنبع، والتي تم تصميمها لتشجيع الالتزام الضريبي ومكافحة الممارسات غير القانونية، ما يؤدي إلى تعزيز العدالة الاقتصادية وتقوية البنية المالية للمملكة.
وأضاف جاكني أن نجاح مشروع قانون المالية 2026 يعتمد على التوازن بين الطموحات الاقتصادية والضوابط المالية، مؤكدًا أن التخطيط الاستراتيجي والرقمنة والتحليل المستمر للبيانات المالية ستكون أدوات رئيسية لضمان تنفيذ السياسات بشكل فعال وتحقيق النتائج المرجوة.
وفيما يخص الاستثمار والاقتصاد الرقمي، ذكر الأستاذ الجامعي أن إدماج الابتكار والتقنيات الحديثة في إدارة الموارد المالية يمثل رافعة أساسية لتعزيز الفعالية والكفاءة، موضحًا أن المغرب أصبح قادرًا على استغلال الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء المالي ومراقبة عمليات الإنفاق والإيرادات بدقة عالية.