مشاريع كبرى ومناطق مهمشة.. هل تمس التنمية كل الجهات؟

الاقتصاد الوطني - 13-10-2025

مشاريع كبرى ومناطق مهمشة.. هل تمس التنمية كل الجهات؟

اقتصادكم - محمد بوعزاتي

 

“العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ أو أولوية مرحلية”، بهذه الكلمات حدد الملك محمد السادس، في خطابه الأخير أمام البرلمان، إطار التعامل مع قضية التفاوتات الترابية في المغرب. ودعا العاهل المغربي إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، مؤكدا أن “مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن”.

تمركز اقتصادي في ثلاث جهات

تكشف أرقام المندوبية السامية للتخطيط أن أكثر من 59% من الناتج الداخلي الخام يتحقق في ثلاث جهات فقط ضمن محور الدار البيضاء–الرباط–طنجة. ويترتب على هذا التمركز الاقتصادي توزيع غير متوازن للمشاريع الكبرى للبنية التحتية.

في هذا السياق، أشار علي الغنبوري، المحلل الاقتصادي، لموقع “اقتصادكم” إلى أن المشاريع الاستراتيجية اليوم تتركز في الأقطاب الكبرى، ما يعكس تمركز الاقتصاد على حساب باقي جهات المغرب

من جانبه، أكد بدر الزاهر الأزرق، أستاذ باحث في قانون الأعمال والاقتصاد، لموقع “اقتصادكم” أن الاستثمارات الضخمة تم توجيهها نحو الدار البيضاء، الرباط-القنيطرة، وطنجة، ما جعل هذه الأقطاب تتفوق من حيث البنية التحتية وجذب الاستثمارات الأجنبية، بينما لا تزال المناطق الأخرى تعاني من نقص كبير في المشاريع التنموية.

توجيهات ملكية واضحة

في خطابه، ركز الملك على عدة أولويات، منها تشجيع المبادرات المحلية، توفير فرص الشغل للشباب، النهوض بقطاعات التعليم والصحة، وتأهيل المجال الترابي. كما دعا إلى إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، خاصة المناطق الجبلية والواحات، مشددا على أن “التنمية الترابية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تكامل وتضامن فعلي بين الجهات”.

وحدد الملك أيضا أهمية إعادة النظر في سياسة تنمية المناطق الجبلية، التي تغطي نحو 30% من التراب الوطني، وتطبيق سياسات عمومية تراعي خصوصياتها ومؤهلاتها.

البنية التحتية.. ركيزة النموذج التنموي الجديد

يرى علي الغنبوري أن “البنية التحتية هي عصب اقتصاد المستقبل في المغرب”، مشيرا إلى أن مسار البلاد نحو دولة صاعدة بحلول 2035 يعتمد بالأساس على شبكة متطورة من الطرق السريعة، الموانئ الحديثة، المطارات المجهزة، وخطوط القطارات فائقة السرعة.

وأضاف أن “تحقيق نمو اقتصادي متوازن يتطلب توزيعا عادلا للاستثمارات في البنية التحتية على كل الجهات، لأن البرامج التنموية مهما بلغت طموحاتها تبقى حبرا على ورق ما لم تدعم ببنية تحتية شاملة وعادلة”.

الطريق السريعة وحدها لا تكفي

يشدد الغنبوري على أن الشبكة الطرقية والموانئ والمطارات وحدها لا تضمن نتائج التنمية. فالمسألة تتطلب أن تكون البنية التحتية عادلة وفعالة، قادرة على الوصول إلى جميع المناطق، لتنشيط الدورة الاقتصادية في جميع المجالات الترابية دون استثناء.

مشاريع جديدة بمناطق مهمشة ولكن بوتيرة بطيئة

شهدت مناطق مثل الرشيدية وبني ملال وكلميم إطلاق أوراش كبيرة تشمل بناء مستشفيات جامعية، طرق سريعة، إعادة تأهيل المطارات، وإنشاء موانئ استراتيجية.

ويرى بدر الزاهر الأزرق أن “الأوراش الكبيرة بدأت في مناطق كانت مهمشة سابقا، لكنها ما زالت في طور التنفيذ، وهو ما جعل المواطنين يتطلعون إلى نتائج سريعة”. مع ذلك، يعتقد أن “هذه الجهات خلال سنتين أو ثلاث ستتمكن من تحقيق بنية تحتية تقارب مستوى الأقطاب الحضرية الكبرى”.

وأشار أيضا إلى أن مشاريع الموانئ الجديدة، مثل ميناء الناظور غرب المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي، لديها القدرة على تكرار نجاح تجربة ميناء طنجة المتوسط، رغم بعض التأخيرات في التنفيذ.

تغيير العقليات شرط أساسي

أكد الملك أن التحول الكبير في التنمية الترابية “يتطلب تغييرا ملموسا في العقليات وطرق العمل، وترسيخ ثقافة النتائج، ومحاربة الممارسات التي تُضيّع الوقت والإمكانات”.

وفي هذا السياق شدد الزاهر الأزرق في حديثه على ضرورة تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي الإلزامي لصالح الجهات المتأخرة، موضحا أن الهدف هو “تحقيق 12 جهة متكاملة ومتضامنة ومنتجة للثروة والشغل والتنمية، وليس الاقتصار على ثلاثة أقطاب فقط”.

تظهر المؤشرات الاقتصادية أن المغرب في مفترق طريق بين الطموح الملكي والتنفيذ الفعلي للبنية التحتية، حيث تتقدم المشاريع لكنها غير متوازنة جغرافيا، ما يستدعي تسريع تنزيلها، إعادة توزيع الاستثمارات، وتغيير العقليات لضمان تحقيق “المغرب الصاعد والمتضامن”.