تباطؤ في مناصب الشغل غير الفلاحية: ناقوس خطر اقتصادي يجب التعامل معه بجدية

آخر الأخبار - 13-10-2025

تباطؤ في مناصب الشغل غير الفلاحية: ناقوس خطر اقتصادي يجب التعامل معه بجدية

اقتصادكم

 

شهد سوق الشغل في المغرب في الربع الثاني من سنة 2025 تباطؤاً حاداً في وتيرة خلق مناصب الشغل غير الفلاحية، حيث لم يتم تسجيل سوى 5.000 منصب شغل صافٍ، مقابل أرقام قوية خلال الفترات السابقة (213.000، ثم 257.000، و282.000 على التوالي)، ما يُمثّل تراجعاً غير مسبوق أثار قلق الفاعلين الاقتصاديين، وعلى رأسهم والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري.

هذا التراجع، وإن بدا في ظاهره ظرفياً، يُشكّل في العمق إشارة إنذار قوية بشأن متانة الاقتصاد الوطني، خاصة وأنه يمس القطاعات الأكثر حيوية في التشغيل، كالبناء والأشغال العمومية (BTP) والخدمات والصناعة.

وبحسب الخبير الاقتصادي خالد كبدج، يُعزى هذا التراجع إلى عوامل متداخلة، من بينها تأثير موسمي ناتج عن شهر رمضان، الذي عادةً ما يشهد تباطؤاً في وتيرة النشاط، توقف نسبي للأوراش الكبرى، التي دخلت في مرحلة تقييم أو إعادة هيكلة، تباطؤ في التوظيف في بعض قطاعات الخدمات بعد فترات من النمو المتسارع، المساهمة السلبية لقطاع الفلاحة، وهو أمر معتاد لكنه زاد من حدة التراجع.

لكن، ورغم هذه العوامل، يبقى الفرق بين الفترات السابقة وهذا الربع صادماً، حيث أكد الخبير، في حوار مع جريدة "Finances news hebdo" وجود خلل أعمق يحتاج إلى معالجة تتجاوز الحلول الظرفية.

مخاطر هذا التباطؤ على الاستهلاك والنمو الاقتصادي

في اقتصاد مثل المغرب، حيث تشكل الطلب الداخلي والاستهلاك الخاص المحرك الأساسي للنمو، فإن أي تراجع في خلق مناصب الشغل يعني مباشرة تقلص مداخيل الأسر، وبالتالي انخفاض الاستهلاك، ضغط على الاستقرار الاجتماعي في حال ارتفعت البطالة مجدداً، ضبابية في آفاق النمو، خاصة وأن توقعات 2025 كانت تشير إلى نمو يناهز 4,6%.

لذا، إذا استمر هذا التباطؤ، فقد يُهدد بتراجع نمو الاقتصاد الوطني في سنة 2026، وهو ما حذر منه والي بنك المغرب .

وأكد عبد اللطيف الجواهري، في رده على هذا التراجع، أن السياسة النقدية (بما فيها خفض سعر الفائدة الرئيسي) ليست كافية وحدها لتحفيز التشغيل، بل هناك حاجة إلى تنسيق أكبر بين السياسة النقدية والمالية، وإجراءات عملية على الأرض لتقوية دينامية سوق الشغل.

ولحماية الاقتصاد الوطني من مخاطر التباطؤ، يقترح خبراء اعتماد حزمة من التدابير المستعجلة والموجهة، خاصة تسريع الإنفاق العمومي على المشاريع الكبرى، خاصة مع اقتراب الانتخابات، بما ينعش قطاع البناء ويُخلق مناصب شغل بسرعة، دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة في قطاعات البناء والخدمات، عبر تسهيل ولوجها للتمويل، إذ أن البنوك لم تواكب فعلياً انخفاض سعر الفائدة المرجعي، استثمار في التكوين المهني الموجَّه، لتوفير اليد العاملة المؤهلة التي تتماشى مع حاجيات الأوراش والقطاعات في وضعية نقص، وإحداث آليات لتقاطع السياسات المالية والنقدية بهدف تعزيز أثرها على الطلب الداخلي وسوق الشغل، وتشجيع المشاريع المهيكلة مثل إنشاء مراكز البيانات، البنية التحتية الرقمية، المناطق الصناعية الجديدة، والتجهيزات الطاقية التي تُحفز الاستثمار وتخلق الشغل.

ولا يعد هذا التباطؤ الحاد في التشغيل غير الفلاحي مجرد تذبذب ظرفي في المعطيات، بل هو مؤشر على تحول في دينامية الاقتصاد الوطني، إذا لم تتم معالجته بسرعة وبشكل منسق، فقد يؤثر سلباً على الدورة الاقتصادية بأكملها، ويُفقد ثقة المواطنين والمستثمرين على حد سواء.

فالرهان على نمو مستدام لا يُمكن تحقيقه دون سوق شغل قوي، مرن، وقادر على امتصاص الصدمات. والمسؤولية الآن تقع على عاتق الحكومة، البنوك، ومختلف الفاعلين لتدارك الوضع قبل أن يتحول التباطؤ إلى أزمة هيكلية.