اقتصادكم
كشف المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية عن عدد المقاولات التي تم إحداثها إلى غاية متم شهر غشت 2025، إذ بلغت 72 ألفا و116 مقاولة، هذا الرقم وإن بدا مشجعا في ظاهره، يعكس دينامية متزايدة في ريادة الأعمال بالمغرب رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة وما يرافقها من تحديات وإدارية.
وتظهر لوحة القيادة لبارومتر إحداث المقاولات الصادرة عن المكتب أن هذه المقاولات تتوزع بين 51.979 مقاولة اعتبارية و20.137 مقاولة ذاتية، وارتكز النسيج المقاولاتي أساسا في الأنشطة التجارية التي استحوذت على 35,71% من مجموع المقاولات المحدثة، متبوعة بقطاع البناء والأشغال العمومية والعقار بنسبة 19,89%، ثم الخدمات المتنوعة بنسبة 17,46%، والنقل بنسبة 7,59%، بينما سجلت قطاعات الصناعة، الفندقة والمطاعم، تكنولوجيا المعلومات، الفلاحة، والأنشطة المالية نسبا متفاوتة تؤكد تنوع المبادرات الريادية دون أن تخفي هيمنة التجارة والخدمات على النشاط الاقتصادي الوطني.
أما على المستوى الجغرافي، فتواصل جهة الدار البيضاء – سطات ترسيخ مكانتها كقطب اقتصادي رئيسي بإحداث 22.594 مقاولة جديدة، متبوعة بجهات طنجة – تطوان – الحسيمة، الرباط – سلا – القنيطرة، ومراكش – آسفي، في حين تظل جهات مثل درعة – تافيلالت وكلميم – واد نون تسجل معدلات متدنية من حيث تأسيس المقاولات، ما يعكس استمرار التفاوتات المجالية في دينامية الاستثمار.
من حيث الشكل القانوني، تكشف المعطيات عن هيمنة الشركات ذات المسؤولية المحدودة بشريك وحيد بنسبة 65,3%، تليها الشركات ذات المسؤولية المحدودة بنسبة 34%، في حين لم تتجاوز الأشكال القانونية الأخرى نسبة 0,5%، هذا التوجه يبرز تفضيل المقاولين المغاربة للنماذج القانونية التي توفر مرونة في التدبير وحماية قانونية للمستثمر، خصوصا في ظل هشاشة السياق الاقتصادي وغياب ضمانات تمويل كافية.
وفي تعليقه على هذه الأرقام، يرى عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، أن المعطيات الصادرة عن المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية تعكس حيوية حقيقية في سوق الأعمال، لكنها لا تخفي حجم الصعوبات التي تواجه المقاولات الناشئة.
في هذا الصدد قال الفركي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، إن "هناك نشاطا ملحوظا في ريادة الأعمال، غير أن المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة تعاني من صعوبات حقيقية في الولوج إلى التمويل والصفقات العمومية، إضافة إلى تأخر الأداء، وارتفاع الضرائب والاقتطاعات الاجتماعية، وغياب المواكبة في السنوات الأولى، فضلا عن المنافسة غير الشريفة من القطاع غير المهيكل الذي أصبح خطرا على الاقتصاد الوطني".
ويضيف رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، أن جزءا كبيرا من المقاولات الجديدة يظل في كثير من الأحيان مشاريع على الورق فقط، بسبب غياب الدعم والمواكبة اللازمة، مشيرا إلى أن نحو 90% من المقاولات الذاتية لا تسجل رسميا، مما يجعل العدد الحقيقي للمقاولات المحدثة يتجاوز 90 ألفا خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية.
ورغم المؤشرات الإيجابية المسجلة، فإن الأرقام المرتبطة بإفلاس المقاولات تبعث على القلق، إذ تم تسجيل 33 ألف حالة إفلاس سنة 2023 وأكثر من 40 ألفا في 2024، مع توقع تجاوز 50 ألف حالة بنهاية 2025.
ويعزى هذا الوضع، حسب الفركي، إلى توقف برامج التمويل العمومي مثل "انطلاقة" و"فرصة"، وارتفاع الضغط الجبائي الذي تضاعف من 10 إلى 20 %، إضافة إلى تداعيات الجفاف، والتضخم، وجائحة كورونا.
وفي ظل غياب تطبيق القانون الصادر سنة 2013، الذي ينص على تخصيص 20% من الصفقات العمومية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، تبقى هذه الفئة في مواجهة مباشرة مع واقع اقتصادي معقد، تتقاطع فيه البيروقراطية مع ضعف الولوج إلى التمويل وغياب التحفيزات الفعلية للاستثمار.
وبذلك، تكشف الأرقام الرسمية، مقرونة بتحليل الفاعلين الاقتصاديين، عن مفارقة واضحة في المشهد المقاولاتي المغربي، حيوية في التأسيس يقابلها ضعف في الاستدامة، ونمو عددي لا يواكبه تطور نوعي في بيئة الأعمال، وهو ما يجعل الرهان اليوم يتمثل في الانتقال من منطق التشجيع الكمي إلى دعم فعلي يضمن استمرارية المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، باعتبارها القلب النابض للنسيج الاقتصادي الوطني.