اقتصادكم
قلصت المستجدات السياسية والاقتصادية الدولية الأخيرة، فرص الدراسة في الخارج أمام الطلبة المغاربة، الذين باتوا يفضلون إتمام دراساتهم العليا في بلدهم الأم لأسباب مختلفة، مرتبطة أساسا بارتفاع كلفة التعليم في الخارج ومصاريف الإقامة والتنقل، إلى جانب تعقد مساطر الحصول على التأشيرات والضمانات المختلفة، في الوقت الذي فتحت الجامعات الدولية في المغرب أفقا جديدا في وجه هؤلاء الطلبة، الذين ينتمون إلى أسر متوسطة وغنية في أغلب الأحيان.
وتعرض هذه الجامعات منتوجا تعليميا يضاهي نظيره في الخارج جودة وقيمة، من خلال برامج تعليمية تواكب أحدث نظم التدريس في الخارج، وهيآت تدريس مرموقة، إلا أن الأسعار في المقابل تظل مرتفعة مقارنة مع المعاهد والمؤسسة التعليم العالي الخاصة.
وتشير الأرقام والمعطيات الرسمية المتاحة، إلى أن عدد الطلبة الذين سجلوا في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي العمومية بلغ 615 ألف طالب خلال موسم دراسي واحد، مقابل 36 ألف و434 طالبا اختاروا الدراسة في الجامعات والمعاهد الخاصة.
ويظهر هذا المعطى ضعف الإقبال على التعليم العالي الخاص، لأسباب مرتبطة بالقدرات المالية للأسر وتطور مصاريف الانخراط والتعليم في هذا النوع من المؤسسات، التي أصبحت تراهن في ظل تباطؤ الطلب في السوق المحلي، على استقطاب طلبة من الخارج، خصوصا من دول أفريقيا جنوب الصحراء، الذين أصبحوا يفضلون الدراسة بالمغرب، من باب اقتصاد الكلفة، مقارنة مع الدراسة في دول أوربا.
وبهذا الخصوص، أكد مسير بأحد الجامعات الخاصة في الرباط، في تصريح لـ"اقتصادكم"، أن الدراسة في هذه الجامعات أصبحت أقل كلفة من الدراسة في روسيا مثلا، ذلك أن كلفة الدراسة في المملكة لا تتعدى في المتوسط 70 ألف درهم، أي 7 ملايين سنتيم، سنويا، بالنسبة إلى الطالب، بينما ترتفع الكلفة في البلد المذكور إلى 120 ألف درهم، أي 12 مليون سنتيم، سنويا.
جامعة "مونديا بوليس" والجامعة الدولية للدار البيضاء والرباط، مؤسسات تعليم عال بجودة عالمية تضاهي نظيرتها في أوربا، فيما يظل التوزيع الجغرافي لمؤسسات التعليم العالي الخاص بالمغرب غير متوازن، على غرار التعليم العالي العمومي، إذ تحتكر المدن الكبرى الواقعة على المحور الرابط بين الجديدة والقنيطرة غالبية المعاهد العليا الخاصة.
وفي هذا الشأن، فإن نسبة 90 % من هذه المؤسسات توجد في كل من الدار البيضاء، التي تحتل الرتبة الأولى بحكم كثافتها السكانية، ثم الرباط، بموجب طابعها الإداري وتوفرها على قاعدة تربوية كبيرة، ثم فاس ومراكش، بينما تتوزع نسبة 10 % الباقية على عشر مدن كبرى أخرى.
سعيد، والد أحد الحاصلين على شهادة الباكالوريا برسم الموسم الدراسي الحالي، الذين يبحثون عن مكان في أحد الجامعات الخاصة، يرى أن تكاليف اجتياز مباريات ولوج هذه الجامعات عالية جدا، إذ يتعين دفع مبلغ يتراوح بين ألف درهم وثلاثة آلاف أو أكثر لاجتياز مباراة غير مضمونة النتائج، قبل أن يعود ليؤكد أولوية هذه الجامعات مقارنة مع التعليم في الخارج، الذي يظل من وجهة نظر هذا الوالد أكثر كلفة.
ويوضح المتحدث ذاته، أن "إرسال الأبناء للدراسة في الخارج، وهم في مرحلة عمرية حساسة، يؤثر بشكل سلبي على مستقبلهم، إذ يتعين الاستمرار في مراقبتهم والوصاية على تصرفاتهم لفترة أطول، وبالتالي فالدراسة في الجامعات الخاصة توفر الجودة نفسها الموجودة في الخارج، مع مزايا أكثر".
وتركز الجامعات الخاصة، التي أصبحت تضم جميع التخصصات تقريبا، في حملاتها التسويقية على عنصر الإدماج في سوق الشغل، عبر تكثيف فترات التدريب ونوعية التكوين المعروضة، في الوقت الذي يعاني حاملو الشهادات والدبلومات من الخارج في الحصول على فرصة عمل بالمغرب.
هذا الواقع، يعلق عليه محمود، طالب في إحدى الجماعات الخاصة بالدار البيضاء بالقول، إن "تجربة شقيقي الأكبر في الدراسة بالديار الفرنسية، حفزتني على اختيار إتمام دراساتي العليا في بلدي، ذلك أني عاينت معاناته بعد عودة من أوربا في إيجاد منصب شغل يلائم تخصصه، خصوصا أنه لم يكن يملك فكرة واضحة عن سوق الشغل في المغرب، أو متطلبات المقاولات الخاصة".