اقتصادكم
رغم الرهانات التي علقها المغرب على الغاز الطبيعي لتعزيز أمنه الطاقي وتقليص تبعيته للأسواق الخارجية، تكشف حصيلة سنة 2025 أن مسار اكتشافات الغاز ظل محفوفا بالتعقيد، بين انسحابات شركات دولية وتباطؤ في تطوير الحقول، واستمرار الاعتماد الكبير على الواردات.
وأكدت منصة “الطاقة” في تقرير لها أن اكتشافات الغاز في المغرب خلال 2025 لم تواكب الطموحات المعلنة، إذ ظل النمو الفعلي للإنتاج بعيدا عن التوقعات، في ظل انسحاب شركتين دوليتين بارزتين وتباطؤ تطوير الحقول الرئيسية، سواء البحرية أو البرية.
وذكرت المنصة المتخصصة أن هذا الوضع تزامن مع تنامي الطلب المحلي على الغاز، ما زاد من تعقيد المعادلة الطاقية، ودفع الحكومة إلى التركيز على تأمين الإمدادات، في وقت تواجه فيه الشركات تحديات تقنية وتمويلية تعرقل تسريع وتيرة الاستثمار.
وتابعت أن تراجع وتيرة الحفر خلال 2025، إلى جانب استمرار الاعتماد على الواردات، كشف أن مشهد الطاقة في المغرب أكثر هشاشة مما يبدو، خاصة مع تباين مواقف الشركات الدولية بين توسيع أنشطتها أو التخارج من السوق.
وتابعت “الطاقة” أن هذا التباين جعل اكتشافات الغاز في المغرب رهينة دورة جديدة من إعادة الهيكلة ومراجعة الخطط الاستثمارية، حيث توجد مشاريع قيد التطوير، لكنها تتحرك ببطء، بينما يظل الطلب المحلي العامل الحاسم في توجيه القرارات الاستثمارية.
وأبرز المصدر أن الحفر البحري شكل أحد أبرز بؤر التحدي خلال 2025، بعدما استعادت شركة شاريوت البريطانية السيطرة الكاملة على تراخيص ليكسوس وريسانا عقب انسحاب شركة إنرجيان اليونانية، التي كانت تراهن على رفع تقديرات موارد حقل أنشوا بشكل كبير.
ولفت إلى أن نتائج بئر “أنشوا-3” جاءت دون التوقعات، بعدما أظهرت كميات غاز محدودة في الطبقات الأساسية، إضافة إلى وجود مياه في بعض الخزانات، ما دفع الشركات إلى إعادة تقييم المخاطر الفنية والمالية المرتبطة بالمشاريع البحرية.
وأضاف أن حصة شاريوت ارتفعت إلى 75% في التراخيص البحرية، مقابل 25% للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، لتدخل المشاريع مرحلة جديدة من دراسة الجدوى، رغم تأكيد الشركة البريطانية أن الغاز في حقل أنشوا “موجود” وأن إمكانات تطويره ما تزال قائمة.
كما أورد أن الامتياز البري تندرارة ظل ركيزة أساسية ضمن اكتشافات الغاز في المغرب، غير أن وتيرة تطويره خلال 2025 جاءت أبطأ من المتوقع، بسبب تباطؤ مشروع خط الأنابيب، عقب شروع شركة مانا إنرجي في تحديث الدراسة الهندسية الأولية.
وذكر المصدر عينه أن مشروع تندرارة يُطوَّر على مرحلتين، تشملان إنتاج الغاز المسال الصغير لتزويد الصناعات، ثم إنشاء خط أنابيب بطول 120 كيلومترًا لتعزيز إمدادات محطات الكهرباء، غير أن العوامل اللوجستية والتمويلية أثّرت في تقدّم الأشغال.
وأشار إلى أن شركة ساوند إنرجي البريطانية، رغم عدم تنفيذها عمليات حفر جديدة خلال السنوات الخمس الماضية، أكدت التزامها بالسوق المغربية، وكشفت عن انتظارها موافقة حكومية لبدء حفر بئرين جديدتين، مع إعطاء الأولوية لتلبية الطلب المحلي قبل التفكير في التصدير.
وفي سياق متصل، أبرز التقرير أن التحديات لم تقتصر على المشاريع الكبرى، إذ أعلنت شركة بريداتور أويل آند غاز انسحابها من امتياز جرسيف شرق البلاد، بعد أن لم تُثبت بئر “MOU-5” احتياطيات قابلة للاستغلال التجاري.
ولفت إلى أن هذا الانسحاب يعكس صعوبة الاستثمار في الامتيازات التي تعتمد على بيانات جيولوجية أولية، تحتاج إلى عمليات حفر مكثفة قبل الوصول إلى نتائج مؤكدة، ما يطرح تحديات إضافية أمام تطوير اكتشافات الغاز في المغرب.
وأضاف أن محدودية الإنتاج المحلي، الذي لا يتجاوز 100 مليون متر مكعب سنويًا، جعلت المغرب يواصل الاعتماد على الواردات، حيث ارتفعت واردات الغاز خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025 بنسبة 6.3%، لتبلغ 7.643 تيراواط/ساعة.
وأشار إلى أن هذه الواردات تعتمد أساسًا على الغاز الطبيعي المسال المُعاد تغويزه في إسبانيا قبل نقله إلى المغرب عبر الأنبوب المغاربي–الأوروبي، مع تنوع مصادر الإمداد بين روسيا والولايات المتحدة وشحنات متعاقد عليها.
وختم التقرير بالتأكيد بأن سنة 2025 كانت سنة اختبارات صعبة لاكتشافات الغاز في المغرب، إذ تداخلت الانسحابات والتباطؤ وغياب الاكتشافات الكبرى مع استمرار الآمال المرتبطة بالإمكانات الجيولوجية غير المستغلة.