اقتصادكم - محمد بوعـزاتي
أعادت موجة الاحتجاجات الشبابية في عدة مدن مغربية ملف التشغيل إلى صدارة النقاش العمومي، خاصة مع تجاوز عدد العاطلين عن العمل مليونا و595 ألف شخص، بمعدل بطالة يصل إلى 12.8% وفق آخر معطيات المندوبية السامية للتخطيط.
ويرتفع معدل البطالة بين الشباب (ما بين 15 و24 سنة) إلى 35.8%، وبين الفئة العمرية 25 إلى 34 سنة إلى 21.9%. كما يبلغ المعدل بين حاملي الشهادات 19%، وبين الحاصلين على شهادات التأهيل المهني 20.8%، وبين الحاصلين على شهادة الثانوية التأهيلية 25.1%.
وتُظهر الأرقام أيضا أن معدل البطالة بين النساء يصل إلى 19.9%، في حين لا يتجاوز معدل الشغل الوطني 37.9%، مرتفعا إلى 43.5% بالوسط القروي، ومنخفضا إلى 35.1% بالوسط الحضري. أما خلال عام 2024، فقد بلغ معدل البطالة 13.3%، وقفز إلى 36.7% في صفوف الشباب و19.6% بين حاملي الشهادات، ما يعكس استمرار التحديات البنيوية التي تواجه سوق العمل بالمغرب.
ورغم التزام الحكومة عند تشكيلها سنة 2021 بخلق مليون منصب شغل خلال خمس سنوات، أي بمعدل 200 ألف منصب سنويا، فإن هذا الوعد يثير تساؤلات واسعة حول مدى واقعيته.
فقد ظل سوق العمل المغربي، حتى في أفضل الظروف، لا يستوعب سوى ما بين 70 و130 ألف منصب سنوياً، بينما ينضاف إليه حوالي 300 ألف باحث جديد عن الشغل كل عام. لذلك، يرى متتبعون أن تحقيق هذا التعهد يظل بعيدا عن قدرات الاقتصاد الوطني الحالية، التي لا تسمح بخلق نمو تشغيلي بهذا الحجم دون طفرة صناعية واستثمارية واضحة.
الرماني: “كل الحكومات لم تفِ بوعودها”
في حديثه لموقع “اقتصادكم”، أكد الخبير الاقتصادي عبد العزيز الرماني أن “الحكومة الحالية ليست الوحيدة التي لم تفِ بوعودها في مجال التشغيل، بل كل الحكومات المتعاقبة”، سواء في ظل أزمات الجفاف أو الأزمات الاقتصادية أو ملف الصحراء في السبعينيات.
وشدد الرماني على ضرورة التمييز بين “الوعود الانتخابية السياسية” و”البرامج الحكومية”، موضحاً أن “60% على الأقل من الوعود الحكومية لا يتم تنفيذها”، حتى في البرامج الممتدة على عدة سنوات.
انتقادات لتموضع الحكومة
انتقد الرماني تقديم الحكومة الحالية لنفسها كـ“حكومة اجتماعية”، قائلا إن “هذا الخطاب لا يتناسب مع مشاكل المجتمع المتفرعة والكثيرة”. واقترح أن يكون التوصيف أكثر واقعية مثل “حكومة اقتصادية أو استثمارية”، مشيراً إلى أن بعض الحلول الاجتماعية الكبرى تأتي من البرامج الملكية، كالتغطية الصحية والدعم المباشر.
تاريخ من الأزمات
وفي تصريحه لموقع “اقتصادكم”، استعرض الرماني تاريخ الحكومات المغربية منذ الاستقلال، موضحًا أن كل حكومة واجهت تحديات مختلفة: اضطرابات سياسية في الستينيات، فاتورة الصحراء في السبعينيات والثمانينيات، أزمات الجفاف، وأزمة التقويم الهيكلي في التسعينيات. ومع تولي الملك محمد السادس، دخلت البلاد مرحلة إصلاحات دستورية وقانونية، لكنها واجهت لاحقاً تحديات الربيع العربي.
العوائق البنيوية أمام التشغيل
يرى الرماني أن خلق فرص الشغل يواجه عدة عوائق متشابكة، من أبرزها ضعف الرؤية الاقتصادية للحكومة، وصعوبة المساطر الإدارية أمام المستثمرين، إضافة إلى الفساد الإداري والتسلط الذي يثني المستثمرين عن الدخول في السوق. كما أشار إلى التأخر في القطاعات الديناميكية وغياب الإنصاف الضريبي، ما يخلق شعوراً بعدم العدالة ويبعد المواطنين عن النشاط الاقتصادي. وأخيراً، شدد على ضعف الدعم الموجه للمشاريع الصغيرة والوحدات الإنتاجية المحلية، مثل المقاهي والماركات الناشئة، ما يحد من قدرتها على التوسع وخلق فرص العمل.
معدل النمو هو الحل
شدد الرماني على أن معدل النمو هو المفتاح لمعالجة البطالة، مؤكداً أن رفع الإنتاج الوطني وتحسين الأداء الإداري ومحاربة الفساد يمكن أن يضمن استثماراً جيداً ويحفّز التشغيل. وأضاف: “المغرب لم يعد بلداً فلاحياً فقط، والملكية وضعت أساساً للإصلاح والاستثمار، ما يجب استثماره اليوم لتحريك سوق الشغل”.
وفي ظل استمرار الاحتجاجات الشبابية، يبقى ملف التشغيل محور المطالب الاجتماعية، في انتظار خطوات حكومية فعلية لمعالجة أزمة البطالة المتفاقمة.