اقتصادكم
كشف ديميتري غورين، نائب رئيس المركز الفيدرالي الروسي لتنمية الصادرات الزراعية، أن موسكو تناقش ضمن إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي توقيع اتفاقيات للتجارة الحرة مع 27 دولة، من بينها المغرب، في خطوة تعكس توجها استراتيجيا روسيا نحو تعميق الشراكات الاقتصادية مع القارة الإفريقية.
وأوضح المسؤول الروسي، على هامش معرض “الخريف الذهبي” للصناعات الزراعية بموسكو، أن المشاورات بين وزارة الاقتصاد والتنمية الروسية ووزارة الصناعة والتجارة المغربية وصلت إلى مرحلة التوافق المبدئي على معايير الاتفاقية.
نمو استثنائي في التبادل التجاري
تأتي هذه المفاوضات في سياق طفرة ملحوظة في العلاقات التجارية بين البلدين، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين موسكو والرباط بنسبة 73% خلال النصف الأول من 2025 ، مدفوعاً بتزايد الاهتمام الروسي بالأسواق الشمال إفريقية.
وفي قطاع الحبوب تحديدا، بلغت واردات المغرب من المنتجات الزراعية الروسية، وخاصة القمح، 280 مليون دولار في 2024 ، في تطور لافت يضع روسيا في مقدمة موردي القمح للمملكة متجاوزة فرنسا، المورد التقليدي.
وتستهدف موسكو تصدير مليون طن من القمح إلى المغرب خلال الموسم الزراعي 2024/2025، أي ما يقارب ضعف شحناتها من العام السابق ، مما يعكس طموحات روسية كبيرة في تعزيز موقعها في سوق الحبوب المغربي.
ميزان تجاري غير متوازن
رغم النمو المتسارع في المبادلات، تظل العلاقة التجارية تميل بشكل واضح لصالح روسيا. فبحسب بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، بلغت واردات المغرب من روسيا 895.86 مليون دولار عام 2023 ، بينما لم تتجاوز الصادرات المغربية نحو روسيا 98.48 مليون دولار خلال نفس الفترة .
هذا الخلل في الميزان التجاري يثير تساؤلات حول جدوى اتفاقية التجارة الحرة المرتقبة، خاصة في ظل امتلاك المغرب أكثر من 56 اتفاقية تجارية يحقق في معظمها عجزا تجاريا.
قطاعات واعدة للتعاون
تتركز الصادرات الروسية للمغرب حاليا على الحبوب والطاقة، بينما يصدر المغرب بشكل رئيسي الحمضيات والخضراوات ومنتجات زراعية أخرى. لكن المراقبين يرون إمكانيات أوسع للتعاون في قطاعات الصيد البحري، النقل البحري، وصناعة المركبات.
وفي هذا الصدد، وقع المغرب اتفاقية صيد جديدة مدتها أربع سنوات مع روسيا في 2025 ، تسمح لأسطول روسي بالصيد في المياه المغربية، في خطوة تعكس رغبة الطرفين في تنويع مجالات التعاون.
تحديات وفرص
يرى محللون اقتصاديون أن نجاح اتفاقية التجارة الحرة المحتملة يتوقف على تحقيق توازن في المنافع بين الطرفين. فالمغرب يحتاج لضمان نفاذ أفضل لمنتجاته الزراعية والصناعية إلى السوق الروسية الواسعة، في مقابل تسهيل استيراد الحبوب والطاقة بأسعار تنافسية.
كما تبرز مسألة آلية الدفع كأحد التحديات الرئيسية، حيث يطرح السؤال حول إمكانية اعتماد التبادل بالعملات المحلية على غرار النموذج الروسي-الصيني، أو الاستمرار في التعامل بالدولار رغم العقوبات الغربية على موسكو.
بُعد استراتيجي
تندرج المفاوضات الجارية ضمن استراتيجية مغربية أوسع لتنويع الشراكات الاقتصادية، خاصة في ظل تراجعها مع بعض الشركاء التقليديين. كما تعكس رغبة روسية في تعزيز نفوذها الاقتصادي بإفريقيا عبر بوابة الشمال الإفريقي.
ومع استمرار المشاورات بين الجانبين، يبقى الرهان على قدرة المفاوضين على بناء إطار تجاري متوازن يخدم المصالح المشتركة، ويساهم في تعزيز الاستثمارات الروسية بالمغرب، مع ضمان استفادة القطاعات الإنتاجية المغربية من هذا الانفتاح على السوق الأوراسية.