التمويل المناخي في المغرب بين طموح الدولة وتردد القطاع الخاص

آخر الأخبار - 17-10-2025

التمويل المناخي في المغرب بين طموح الدولة وتردد القطاع الخاص

اقتصادكم

 

على الرغم من وجود آليات دعم قوية، لا تزال الشركات الكبرى والمقاولات الصغرى في المغرب تواجه تحديات بنيوية في الانخراط في مسار التحول الأخضر.

وفي ظل التزاماتها المناخية الطموحة، يواصل المغرب تأكيد مكانته كفاعل دولي في السياسات البيئية، حيث تبنّى رؤية واضحة ومسارًا حازمًا نحو اقتصاد منخفض الكربون وأكثر قدرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية، حيث تترجم هذه الرؤية من خلال المساهمة المحددة وطنياً (CDN 3.0)، التي تهدف إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 53% في أفق سنة 2035.

ولتحقيق هذا الهدف، تم اعتماد مجموعة من الآليات الاقتصادية والمالية الموجهة نحو دعم التحول البيئي في القطاع الخاص، من أبرزها برنامج "تسهيلات تمويل الاقتصاد الأخضر" (GEFF) الذي خلف برنامج "MORSEFF"، ويُعد من الأدوات الرائدة التي توفر دعمًا تقنيًا وتمويليًا لتشجيع الاستثمار في الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية.

أكثر من مليار يورو... لكن النتائج متفاوتة

بفضل هذه البرامج، تم ضخ أكثر من مليار يورو لدعم الانتقال البيئي في الشركات المغربية، عبر دعم الاستثمارات الخضراء واقتناء معدات فعالة في استهلاك الطاقة والمياه، خاصة في القطاع الصناعي. ومع ذلك، لا تزال الشركات الكبرى تتعامل بكثير من الحذر مع مشاريع إزالة الكربون، التي تُعتبر في نظر العديد منها عبئًا ماليًا إضافيًا وليس استثمارًا استراتيجيًا مربحًا.

وتظهر المؤشرات أن كلفة الطاقة لا تشكل سوى 2% إلى 10% من التكاليف الصناعية في معظم الشركات المغربية، مما يجعل التحول الطاقي بالنسبة لها أولوية ثانوية أمام تحديات أخرى أكثر إلحاحًا، كزيادة الإنتاجية أو تحسين سلسلة التوريد.

الزراعة... نموذج ناجح بسبب دافع الربح

في المقابل، يقدم القطاع الفلاحي نموذجًا ناجحًا للتبني السريع للتكنولوجيا النظيفة، حيث أصبح الضخ بالطاقة الشمسية واسع الانتشار، ليس بسبب الحوافز المالية المباشرة، بل لأن هذه التقنية أضحت أكثر جدوى وربحية من استخدام مضخات الغاز المدعمة، خاصة وأن الطاقة تمثل حوالي 50% من كلفة الإنتاج الفلاحي.

غياب "تصنيف أخضر" موحد يعمّق الارتباك

رغم تنوع الآليات التمويلية، تواجه جهود التحول البيئي في المغرب عقبة مفاهيمية وتشريعية، أبرزها غياب تصنيف وطني واضح لماهية الاستثمار الأخضر، مما يؤدي إلى تباين في الفهم بين الفاعلين الاقتصاديين والبنوك والمستثمرين.

وقد شرع وزارة الاقتصاد والمالية في إعداد تصنيف أخضر مغربي (Taxonomie verte) بهدف توحيد التعاريف وتيسير الوصول إلى التمويل الأخضر، لكن هذه المبادرة ما زالت في مراحلها الأولى.

أين موقع المقاولات الصغرى والمتوسطة (PME)؟

بينما تُظهر الشركات الكبرى تحفظًا، تعاني المقاولات الصغرى والمتوسطة من الإقصاء العملي من منظومة التمويل الأخضر، نتيجة هشاشتها الهيكلية، وغياب أدوات تمويل مصممة خصيصًا لها، فضلًا عن ضعف القدرات التقنية والبشرية التي تمكنها من إعداد ملفات التمويل والتحول البيئي.

وتزداد حدة التحدي بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدًا، أو تلك التي تشتغل في إطار تعاوني، خاصة في المناطق القروية، حيث يكون المسيرون في أحيان كثيرة من الفئات الهشة أو النساء أو الشباب، مما يتطلب مقاربة خاصة لضمان عدالة انتقالية لا تترك أحدًا خلف الركب.

الحوافز موجودة... ولكن من دون تأثير قوي

رغم تنصيص الميثاق الجديد للاستثمار على تخصيص دعم بنسبة 3% من نفقات الاستثمار (Capex) للمشاريع التي تدمج مكونات التحول الأخضر (مثل إدارة المياه والنفايات والاقتصاد الدائري)، إلا أن استفادة المشاريع من هذه الحوافز تبقى ضعيفة، بسبب عدم إدماج هذه الجوانب البيئية في المخططات الاستثمارية من الأصل.

كما أن غياب تسعيرة للكربون في السوق الوطنية – بخلاف الاتحاد الأوروبي – يجعل الضغط المالي للتحول الأخضر يأتي من الخارج أكثر مما ينبع من داخل النظام الاقتصادي الوطني.