اقتصادكم
رغم الحماس العالمي للهيدروجين الأخضر، إلا أن المغرب اختار نهجًا متوازنًا في التعامل مع هذا القطاع، من خلال إنشاء لجنة حكومية مكلفة بدراسة دقيقة لملفات الاستثمارات المقترحة، التي فاقت 100 عرض محلي ودولي حيث يتم تقييم كل مشروع عبر مراحل تشمل دراسة الجدوى، وتصميم البنية التحتية، وتحديد تكلفة الإنتاج، قبل الموافقة النهائية.
وقد خصص المغرب نحو مليون هكتار من الأراضي للمشاريع، مع دعم بنية تحتية متطورة تشمل موانئ ومحطات تحلية ومشاريع طاقة متجددة، إلى جانب تحفيزات ضريبية. لكن المسؤولين، حسب موقع "الشرق"، يؤكدون أن ضخ الاستثمارات لن يتم دون التوصل إلى عقود بيع مؤكدة، سواء للسوق الوطنية أو للتصدير، خاصة نحو أوروبا التي تستهدف استيراد 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030.
ورغم ضخامة المشاريع المقترحة التي تتجاوز 32 مليار دولار، تبقى ضبابية الطلب العالمي واحدة من أبرز التحديات، إذ اضطرت شركات كبرى مثل "مصدر" الإماراتية إلى تعديل بوصلتها الاستثمارية بسبب ضعف الإقبال العالمي وارتفاع التكاليف.
بيانات بلومبرغ كشفت عن ارتفاع إلغاء مشاريع الهيدروجين الأخضر بنسبة 233% عالميًا في 2024، ما يعكس حالة تراجع الثقة في جدوى بعض هذه المشاريع. ومع ذلك، لا تزال الرباط متمسكة بأهدافها، وتسعى لأن تغطي 4% من الطلب العالمي مستقبلاً، لكن بواقعية تتماشى مع تطورات السوق وليس على وقع الحماس غير المدروس.
وقال مسؤول حكومي مطلع على تفاصيل هذه المفاوضات أن "الحكومة لم تحسم بعد أي استثمار نهائي بخصوص مشاريع الهيدروجين الأخضر"، مضيفاً في حديثه لموقع "الشرق" أن "المفاوضات لا تزال في بداياتها، وتخضع العروض المقترحة من أكثر من مائة مستثمر محلي ودولي لدراسة مفصلة، وليس هناك تراجع عن أهداف البلاد في هذا الصدد".
وأوضح المصدر ذاته أن المغرب لن يوافق على تنفيذ أي مشروع دون وجود عقود بيع مؤكدة، مضيفاً: "لن يتم ضخ استثمارات ما لم يتم التعاقد مع مشترين، هؤلاء قد يكونون شركات صناعية محلية، لكن الحصة الأكبر ستكون موجهة للتصدير نحو الأسواق الخارجية، خاصة أوروبا".
شركات تُعيد حساباتها
من بين المؤشرات على تراجع الحماس العالمي تجاه الهيدروجين الأخضر، ما كشفت عنه شركة "مصدر" الإماراتية، التي قررت تحويل تركيزها من مشاريع الهيدروجين إلى مجالات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي.
وقال محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي لشركة "أبوظبي لطاقة المستقبل" (مصدر)، في مقابلة مع وكالة "بلومبرغ"، إن "الطلب العالمي على الهيدروجين النظيف جاء أقل بكثير من التوقعات، في وقت تتزايد فيه احتياجات مراكز البيانات من الكهرباء بشكل كبير"، مضيفاً أن الشركة اضطرت إلى "إعادة النظر في أولوياتها الاستثمارية".
هذا التوجه لا يقتصر على "مصدر" وحدها، بل يعكس اتجاهاً عالمياً أكثر اتساعاً. فقد أظهرت بيانات "بلومبرغ" أن عدد مشاريع الهيدروجين الأخضر المُلغاة ارتفع بنسبة 233% سنة 2024، مع تسجيل 20 مشروعاً ملغى العام الماضي، و12 مشروعاً إضافياً تم إلغاؤها حتى منتصف غشت الجاري.