اقتصادكم
كشفت دراسة سوسيولوجية حديثة، أن قطاع المقاهي والمطاعم بالمغرب يعاني من هشاشة مهنية عميقة تتجلى في ثلاثة أبعاد مترابطة، أولها هيكلي يتمثل في غياب إطار قانوني وحماية اجتماعية، وثانيها رمزي يرتبط بإعادة إنتاج الفوارق الجندرية والطبقية، وثالثها مخاطري يتجسد في تحول الرقمنة والمناخ إلى عوامل إقصاء إضافية.
وأوضحت الدراسة، التي نشرت في مجلة "الباحث للدراسات والأبحاث العلمية"، أن الهشاشة في هذا القطاع خاصة في مدينة القنيطرة ليست مجرد حالة مؤقتة، بل بنية دائمة تدار ضمن نظام اقتصادي يوصف بـ"الهجين"، حيث يتعايش الاقتصاد الرسمي مع غير الرسمي، مما يستدعي، حسب الباحث، تدخلات شاملة تأخذ بعين الاعتبار تعقيد المشهد المهني والاجتماعي.
وبحسب المعطيات الميدانية التي جمعتها الدراسة، فإن 82% من العاملين في القطاع لا يرتبطون بأي عقود عمل رسمية، ويشتغلون بناء على اتفاقيات شفهية قابلة للنقض في أي وقت. ويأتي ذلك في سياق يشهد فيه القطاع غير المهيكل هيمنة شبه كاملة، إذ يمثل 86% من الوحدات الاقتصادية، وفقا لتقرير بنك المغرب لسنة 2024.
ومن الجانب الاقتصادي، تظهر الأرقام أن 96% من أرباب العمل يواجهون منافسة غير قانونية، في وقت تصل فيه الضرائب إلى 45% من أرباح المشاريع الصغرى، ما يضعف قدرة هذه المقاولات على تحسين ظروف العمل ويعزز استمرار الاقتصاد غير المهيكل بوصفه خيارا مفروضا لا إراديا.
وسجلت الدراسة حضورا لافتا للفجوة الجندرية في الأجور والمهام، إذ تشغل النساء 72% من الوظائف الأقل أجرا، بينما يحتكر الرجال 85% من المناصب الإدارية. كما تعرضت 38% من العاملات لتحرشات، سواء كانت جسدية أو رمزية، في ظل غياب آليات حماية فعالة. وقدر الباحث فجوة الأجور بين الجنسين بنحو 22% لصالح الرجال، حتى في الوظائف المماثلة.
أما على مستوى التحولات الرقمية والمناخية، فأفادت الدراسة أن 68% من العاملين غير قادرين على استخدام تطبيقات التوصيل مثل "Glovo"، رغم تبني 45% من المقاهي لها، مما يزيد من صعوبة اندماجهم المهني. كما أن 80% من المؤسسات تكبدت خسائر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الناتج عن الجفاف وتغيرات المناخ.
وسطرت الدراسة عدة توصيات عملية شملت تبسيط النظام الضريبي، ومنح تراخيص مجانية لثلاث سنوات للمقاولات الصغيرة، وربط التراخيص بالتغطية الصحية الإجبارية. كما دعت إلى مكافحة التحرش عبر تغريم المؤسسات المتقاعسة، ودعم مشاريع نسائية بشروط تمويلية ميسرة. وأوصت بإنشاء مراكز تكوين رقمي، واعتماد الطاقة الشمسية، وإطلاق نظام إنذار مبكر لمراقبة أسعار المواد الأساسية، مع منح شهادات خضراء للمقاولات الملتزمة بالممارسات البيئية والاجتماعية.