اقتصادكم
جددت الهيئة الوطنية للعدول دعوتها العاجلة إلى إقرار آلية حساب الودائع المهنية، كمدخل فعلي لإدماج التوثيق العدلي في الدورة الاقتصادية، وتعزيز فعالية تحصيل الديون العمومية، وذلك في سياق تفشي الأداء النقدي "الكاش" في المعاملات العقارية، وما يطرحه من تحديات على مستوى الشفافية، والأمن التعاقدي، وحقوق الخزينة العامة.
وحسب المعطيات التي توصل به موقع "اقتصادكم"، فإن العدول يراعون في مراسلاتهم للمحاسبين العموميين كافة الضوابط القانونية والمسطرية، مؤكدين في الوقت ذاته أنهم غير قادرين على تسليم أي مبلغ مالي باسم الأطراف، لأنهم لا يتوفرون على حسابات ودائع تمكنهم من حجز أو تمرير أثمان التفويتات. وهو ما يجعل الزبائن الذين يوثقون معاملاتهم لدى العدول، عمليا غير مخاطبين بالمادة 100 من مدونة تحصيل الديون العمومية، رغم مطالبة المصالح الجبائية بأداء ما بذمتهم. وهذا الواقع يفتح الباب أمام حالات التهرب الضريبي، بسبب غياب آلية قانونية تمكن المحاسب العمومي من سلوك مسطرة "الإشعار للغير الحائز" في تعاملاته مع العدول.
ويشكل هذا الغياب التنظيمي أحد الأسباب المباشرة لانتشار المعاملات المالية النقدية (الكاش)، في توثيق الصفقات العقارية، حيث يتم الأداء خارج أي إطار رقابي، سواء عند تفويت العقارات، أو أداء أتعاب العدول، أو واجبات التسجيل والتقييد. ما يسهم في تضخيم الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام البنكي، ويعيق تتبع الأموال وتمويل الاقتصاد الرسمي، في وقت تشير فيه آخر الإحصائيات إلى أن حجم الكاش في المغرب يقدر بنحو 47 مليار دولار، أي ما يمثل نسبة مرتفعة دوليا، وفق تصريح سابق لوالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري.
وفي هذا السياق، نبه الجواهري، خلال ندوة نظمت في يونيو 2025، إلى أن المغرب يسجل أحد أعلى معدلات تداول النقد في العالم، مشيرا إلى مخاطر ذلك على صعيد غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما أعلن عن انتهاء بنك المغرب من صياغة تصور شامل لمعالجة هذه الإشكالية، منها إعداد مشروع قانون للعملة الرقمية للدرهم، والعمل على تعزيز الدفع الإلكتروني والرقمي.
ومن جانبهم، يؤكد العدول أنهم لا يرفضون هذا التوجه بل يطالبون به منذ سنوات، ويسعون إلى تحديث آليات عملهم وتوسيع التعاملات الرقمية، من خلال الدفع الإلكتروني أو التحويلات البنكية، وتقييد تداول الأموال خارج النظام المالي. كما يدعون إلى تسريع تنزيل التوصية رقم 52 من الميثاق الوطني لإصلاح العدالة، التي دعت صراحة إلى "مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بودائع المتعاملين مع المهن القضائية والقانونية، في اتجاه حمايتها وتحصينها".
ويعتبر المهنيون أن إدماج التوثيق العدلي في مسار الإصلاح المالي، ليس غاية مهنية أو مطلبا فئويا، بل ضرورة وطنية لتحسين مناخ الأعمال، وحماية حقوق الدولة والأطراف، وتكريس الأمن التعاقدي والقانوني. وينتظرون من السلطتين التشريعية والتنفيذية التجاوب مع هذا الورش الهيكلي، بما يضمن حرية التعاقد، ويُقر مبدأ المنافسة العادلة بين المهن القانونية، كما يتطلعون إلى إقرار آليات واضحة وشفافة لحسابات الودائع، تضمن المصداقية وتحمي الأموال من أي اختلال أو تلاعب.