العملات الرقمية: المغرب ينتقل من "المنطقة الرمادية" إلى سوق منظم

آخر الأخبار - 13-11-2025

العملات الرقمية: المغرب ينتقل من "المنطقة الرمادية" إلى سوق منظم

اقتصادكم 

 

مع مشروع قانون شامل ومهيكل، يضع المغرب حدا للغموض، حيث تدخل العملات الرقمية في إطار تنظيمي واضح، تحت إشراف مشترك بين الهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC) وبنك المغرب، مع نظام ترخيص للمنصات التجارية وأدوات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT) وفقًا للمعايير الدولية لـ مجموعة العمل المالي (FATF).

ثمرة العمل المشترك بين وزارة الاقتصاد والمالية، وبنك المغرب، والهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC)، ووحدة معالجة المعلومات المالية (UTRF)، استفاد مشروع القانون من دعم البنك الدولي ويتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، بدءا من نظام MiCA الأوروبي وصولاً إلى توصيات FATF ومجلس الاستقرار المالي (FSB) وصندوق النقد الدولي (IMF).

وفي حديثه خلال المؤتمر العالمي التاسع حول الجرائم المالية والعملات الرقمية الذي نظمته يوروبول ومعهد بازل للحكم، وأقيم في الأمم المتحدة في فيينا، أوضح نبيل بدر،  نائب مدير مديرية الإشراف البنكي لدى بنك المغرب، كيف انتقل المغرب من الحذر إلى الفعل.

وقال المتحدث ذاته: "منذ عام 2017، نشهد اهتمامًا متزايدًا بالعملات الرقمية، مع تزايد استخدامها بين بعض فئات المجتمع". وأضاف: "التحدي بالنسبة لنا كمنظمين كان في كيفية حماية النظام المالي من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وحماية المستهلكين في غياب جهة ضامنة لحقوقهم عند استخدامهم لهذه الأصول".

وقد قاد هذا التفكير السلطات إلى بناء إطار قانوني، ليس بهدف إعاقة الابتكار، ولكن من أجل تنظيم ظاهرة ضخمة بالفعل. ووفقًا لتقديرات Chainalysis، يعد المغرب من بين أول 25 دولة مستخدمة للعملات الرقمية في العالم، وأول دولة في شمال إفريقيا.

معمار تنظيمي جديد

يعتمد مشروع القانون على هيكل تنظيمي مزدوج، حيث ستتولى الهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC) تنظيم إصدارات وعروض العملات الرقمية، بينما سيشرف بنك المغرب على الإصدارات المدعومة بالأصول، مثل العملات المستقرة (Stablecoins). تهدف هذه التقسيمة الواضحة إلى تجنب التداخل بين الأدوار وضمان إشراف ملائم لكل منتج.

وأشار بدر إلى أن المغرب اعتمد المعايير الدولية، ولكنه تكيف مع السياق المحلي. كما سيتم إنشاء لجنة تنسيق ورصد المخاطر النظامية لمتابعة الترابطات بين سوق العملات الرقمية والنظام المالي التقليدي، بينما ستعمل جمعية مهنية للمزودين كحلقة وصل بين الفاعلين في القطاع والسلطات.

وبالإضافة إلى ذلك، يحدد النص القانوني تعريفات واضحة للعملات الرقمية ويميز بين الرموز المساعدة (التي تتيح الوصول إلى خدمة أو منتج) والرموز المدعومة بالأصول (مثل العملات المستقرة)، التي ستكون محصورة على البنوك ومؤسسات الدفع، تحت إشراف مباشر من بنك المغرب.

وقال بدر: "نعتبر أن العملات المستقرة مشابهة للودائع البنكية، لذا يجب أن تصدر عن مؤسسات مالية خاضعة للتنظيم". تهدف هذه المادة إلى تفادي المنافسة بين العملات الرقمية ووسائل الدفع الرقمية التي تروج لها المملكة في إطار استراتيجيتها للإدماج المالي.

التزام بقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

يتضمن مشروع القانون لأول مرة في المغرب قاعدة "قانون السفر"، التي تفرض على مزودي خدمات العملات الرقمية تحديد المرسل والمستفيد من كل تحويل للعملات الرقمية. ويجب على الفاعلين في هذا القطاع الاحتفاظ بالبيانات لمدة 10 سنوات، والإبلاغ عن العمليات المشبوهة، والتعاون مع وحدة معالجة المعلومات المالية (UTRF) والهيئات الأجنبية المعنية.

كما يتضمن النص نظامًا متكاملاً لمكافحة التلاعب بالأسواق، بما في ذلك مكافحة التلاعب بالأسعار، والعمليات الخاصة بالمتاجرة الداخلية، ونشر المعلومات المضللة. العقوبات تتراوح بين سحب الترخيص وفرض غرامات مالية وعقوبات جنائية في الحالات الأكثر خطورة.

وفي هذا السياق، أكد بدر أن العملات الرقمية هي بطبيعتها دون حدود جغرافية، مما يجعلها تحديًا للمراقبين. وأضاف: "من المهم أن ندمج متطلبات مكافحة غسل الأموال منذ بداية تصميم الإطار القانوني".

فرص جديدة للنمو والابتكار

ورغم أن النص يترك NFT والتمويل اللامركزي (DeFi) والتعدين والعملات الرقمية للبنك المركزي (CBDC) خارج نطاق التنظيم الحالي باعتبارها لا تزال تجريبية، فإن النص يحدد أن العملات الرقمية لا تشكل وسائل دفع قانونية في المغرب. كما أن الهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC) ستشرف على إصدار تراخيص لمقدمي خدمات العملات الرقمية (EPSC) في المغرب، الذين يجب أن يكونوا مؤسسات مرخصة ذات مقر في المغرب ورأسمال كاف.

وبالنسبة للمهنيين، يمثل هذا التشريع خطوة مهمة نحو إنشاء بيئة تنظيمية موثوقة لقطاع العملات الرقمية في المغرب، حيث يتيح لهم العمل بشفافية ويحفز الاستثمارات. وفقًا لبدر بيلّاج، مؤسس Mchain، فإن المشروع يمثل مرحلة رئيسية لإنشاء نظام بيئي للعملات الرقمية في المغرب، مبني على الشفافية والثقة.

وأخيرًا، إن النص القانوني يفتح المجال أمام الابتكار والتنظيم للتعايش معًا، ويضمن أن يكون المغرب في طليعة التحول الرقمي مع الحفاظ على سيادته المالية.