المغرب يتقدم في مؤشر السلام.. فما أثر ذلك على الاقتصاد؟

آخر الأخبار - 15-09-2025

المغرب يتقدم في مؤشر السلام.. فما أثر ذلك على الاقتصاد؟

اقتصادكم 

 

في ظل السياق الاقتصادي العالمي المتقلب، يبرز الأمن كعنصر محوري في دعم الإنتاجية وتحسين التنافسية، عبر تقليص ما يعرف بـ"تكلفة الفرصة الضائعة". فالاضطرابات الأمنية لا تضعف فقط أداء الاقتصادات، بل تساهم في تسرب الكفاءات وتراجع الاستثمارات، وهو ما ينعكس سلبا على التنمية المستدامة.

الحفاظ على الرأسمال البشري

وفي هذا السياق كشف تقرير مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أن عدد من التجارب الدولية، تؤكد أن غياب الأمن يؤثر مباشرة على الرأسمال البشري. فعلى سبيل المثال، تعاني جنوب إفريقيا، رغم مكانتها الاقتصادية الرائدة في القارة، من معدلات مرتفعة للجريمة، حيث تسجل حوالي 25 ألف جريمة قتل سنويا. هذا الوضع يدفع الكفاءات إلى الهجرة، مسببا خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات سنويا نتيجة فقدان اليد العاملة المؤهلة.

ويشكل الاستقرار الأمني في المغرب عاملا أساسيا في بقاء الكفاءات المحلية واستقطاب كفاءات أجنبية، مما يحفز على الابتكار ويحسن أداء المقاولات. فالمجتمع المستقر قادر على ضمان انتظام الخدمات العمومية، وهو ما يترجم إلى رفع في الإنتاجية وتقليص في تكاليف الاضطرابات.

مؤشر السلام العالمي لسنة 2024

ومن جهة أخرى كشف التقرير أن مؤشر السلام العالمي لسنة 2024، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام العالمي (IEP)، أوضح أن المغرب حقق تقدما ملحوظا، حيث انتقل إلى المرتبة 78 عالميا بعدما كسب ستة مراكز. ويعد هذا التقدم مؤشرا على تحسن مستوى السلام بالمملكة في ظرف زمني وجيز.

نجاح أمني ذو أثر اقتصادي

وأبرز نفس المؤشر أن المغرب تمكن من تقليص العبء الاقتصادي للعنف، ليصل إلى نحو 7.2٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الانخفاض يبرز بشكل واضح الكفاءة الأمنية ودورها في خلق بيئة اقتصادية مستقرة تسهم في النمو والتنمية المستدامة.


ولا يقتصر دور الأمن على حماية الأفراد والممتلكات، بل يتعداه إلى كونه ركيزة أساسية للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. فالأمن يوفر شروط الثقة في مناخ الاستثمار، ويحد من المخاطر، ويعزز روح المبادرة وريادة الأعمال، ليصبح بالتالي عنصرا غير مباشر ولكن جوهريا في تعزيز تنافسية الدول.

وفي السياق الوطني، يمكن الاستقرار الأمني المغرب من بناء منظومة اقتصادية متماسكة، تُتيح للفاعلين الاقتصاديين التخطيط والاستثمار بثقة أكبر. كما يعزز هذا الاستقرار قدرة الاقتصاد المغربي على امتصاص الصدمات الخارجية والتكيّف مع التحولات الإقليمية والدولية، مما يرسخ دينامية تنموية أكثر استدامة.

ورغم هذا الدور الحيوي، تبقى مساهمة الأمن غالبًا غير مرئية أو غير معترف بها بالشكل الكافي، حيث تنسب النجاحات الاقتصادية في الغالب إلى السياسات الاستثمارية أو تطوير البنية التحتية، دون إيلاء ما يكفي من الاعتبار للبيئة الأمنية التي تجعل هذه النجاحات ممكنة في المقام الأول.

وفي ظل هذه المعطيات، يوصي مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي بضرورة تطوير مؤشر وطني لقياس مساهمة الأمن في التنمية، باعتباره أداة استراتيجية لدعم السياسات العمومية وتقييم الأثر الحقيقي للأمن على المسارات التنموية.

مؤشر الأمن التنموي

واقترح المركز تطوير مؤشر وطني شامل يربط بين الأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويركز على مجموعة من المعايير الدقيقة مثل مستوى الاستقرار الأمني، معدلات الجريمة، ثقة المستثمرين، وتأثير الأمن على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.

ودعا المركز إلى تقوية التعاون بين المؤسسة الأمنية والقطاع الخاص من خلال مبادرات وبرامج مشتركة، من بينها إنشاء منصات للحوار الأمني الاقتصادي تعنى بتحديد التحديات الأمنية التي تواجه النشاط الاقتصادي واقتراح حلول عملية، بما يبرز القيمة الاقتصادية غير المباشرة للاستقرار الأمني.

وشدد التقرير على ضرورة دمج بعد الأمن ضمن الاستراتيجيات التنموية الوطنية، مع اعتماد مؤشرات فرعية داخل المؤشر الوطني تسلط الضوء على العلاقة بين الأمن والابتكار، ريادة الأعمال، والاستقرار الاقتصادي، بما في ذلك قياس تأثير الأمن على جذب الشركات الناشئة أو تعزيز نشاط القطاع السياحي.

وأوصى المركز بإصدار تقارير دورية تبرز كيف يُساهم الاستقرار الأمني في تحقيق التنمية المستدامة، مع نشر بيانات المؤشر الوطني بشكل علني لتعزيز الثقة في المناخ الاستثماري. ويمكن أن تشمل هذه التقارير دراسات حالة توضح كيف ساهم الأمن في إنجاح مشاريع اقتصادية كبرى في مختلف جهات المملكة.