اقتصادكم - أسامة الداودي
في خطوة وُصفت بالتاريخية، اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا جديدا يكرس مبادرة الحكم الذاتي المغربية محل وحيد وواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء.
القرار، الذي حظي بدعم واسع من القوى الكبرى، يعد تحولا نوعياً في مسار التسوية السياسية ويمنح الموقف المغربي زخما غير مسبوق.
كما يشكّل القرار الأممي الأخير بشأن الصحراء المغربية محطة فاصلة في مسار هذا النزاع، إذ رسّخ لأول مرة مبادرة الحكم الذاتي كمرجعية أساسية لأي مفاوضات مستقبلية، مؤكدا دعم المجتمع الدولي للمقاربة المغربية القائمة على الواقعية والتوافق، في ظلّ تحولات إقليمية ودولية عميقة.
وفي هذا السياق، اعتبرت أستاذة العلاقات الدولية والتواصل السياسي بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أمال بنبراهيم، أن القرار الأممي الأخير يشكّل منعطفاً حاسماً في التعاطي الدولي مع قضية الصحراء المغربية، إذ يُعدّ اعترافاً صريحاً بوجاهة المقاربة المغربية الرامية إلى تسوية هذا النزاع المفتعل.
وأكدت أمال بنبراهيم في تصريح لموقع "اقتصادكم" أن نص القرار تضمن عبارات دقيقة وواضحة لا تحتمل التأويل، مشيرة إلى أنه حدد مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والعملي والنهائي للنزاع، بل الأكثر قابلية للتطبيق من بين كل المقترحات المطروحة.
وتابعت بنبراهيم أن هذا القرار يعد تتويجا لمسار دبلوماسي ناجح قاده الملك محمد السادس برؤية متبصّرة وحكيمة، أعادت للقضية الوطنية حضورها القوي في الساحة الدولية.
كما أبرزت أن القرار الأممي الجديد ارتقى بالمبادرة المغربية من مجرد مقترح تفاوضي إلى مرجع أساسي ووحيد لأي عملية سياسية أو مفاوضات مستقبلية، بعدما أضحى المعيار المعتمد دولياً لحل النزاع.
وفي تعليقها على مواقف الدول الكبرى داخل مجلس الأمن، أوضحت أستاذة العلاقات الدولية والتواصل السياسي أن تصويت الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها حاملة القلم في المجلس، إلى جانب فرنسا والمملكة المتحدة لصالح المقترح المغربي، ينسجم تماماً مع مواقفها السابقة التي عبّرت فيها عن دعمها الواضح لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ولمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي.
أما بخصوص امتناع الصين وروسيا عن التصويت، فقد أكدت أن "هذا الموقف لا يُعد رفضا للقرار، بل هو تعبير عن رغبة البلدين في الحفاظ على توازن دبلوماسي يراعي مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول" على حد تعبيرها.
ولفتت المتحدثة ذاتها إلى أن هذا الموقف يعكس سياسة الحذر والبراغماتية التي تنتهجها موسكو وبكين داخل مجلس الأمن، من أجل الحفاظ على علاقاتهما المتوازنة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
وفي ما يتعلق بآفاق التقارب المغربي–الجزائري بعد القرار الأممي، اعتبرت أستاذة العلاقات الدولية أن تكريس الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع يفتح نظرياً الباب أمام تقارب محتمل بين البلدين، لا سيما في ظل الدعم الأميركي لمساعي التهدئة الإقليمية.
ولم يمنع ذلك، أمال بنبراهيم من أن تشدد على أن هذا التقارب يبقى صعبا على المدى القريب بسبب استمرار الخلافات السياسية حول ملف الصحراء والعوامل الداخلية في الجانبين، مشيرة إلى أن القرار يمثل رغم ذلك فرصة رمزية لإعادة بناء الثقة على المدى المتوسط.
وأضافت أن دعوة الملك محمد السادس إلى حوار أخوي تأتي امتدادا لنهج المغرب القائم على تغليب منطق الحوار على التصعيد، معتبرة أن هذا الخطاب يفتح الباب أمام الجزائر إن أرادت التقاط رسالة اليد الممدودة، في إطار من الاحترام المتبادل والسيادة وحسن الجوار.
وذكرت أن "المغرب، بعد القرار الأممي، يربط انتصاره الدبلوماسي بالحكمة السياسية لا بالاستقواء، من خلال الدعوة إلى وحدة الشعوب المغاربية على أساس الأخوة والمسؤولية المشتركة" وفق تعبيرها.
أما عن الخطوات المقبلة التي سيتخذها المغرب لترسيخ هذا المكسب الأممي، فقد أوضحت بنبراهيم أن المملكة ستتجه إلى تعزيز حضورها الدبلوماسي وتحصين مكتسباتها السياسية عبر خطة متكاملة تشمل خمس خطوات أساسية.
وتتمثل الخطوة الأولى، وفق بنبراهيم، في العمل على توسيع قاعدة الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، من خلال استقطاب مواقف جديدة وتشجيع فتح مزيد من القنصليات في الأقاليم الجنوبية، فيما اعتبرت تعميق التنسيق مع القوى الكبرى لضمان استمرارية الموقف الأممي الداعم للمقاربة المغربية، خطوة ثانية.
كما أضافت أن الحفاظ على قنوات التواصل مع الجزائر بروح التوافق والأخوة بما يعزز فرص التهدئة الإقليمية، يعد خطوة ثالثة سيتخدها المغرب من أجل ترسيخ مكسبه.
دون إهمال "إبراز دينامية التنمية في الأقاليم الجنوبية كبرهان عملي على جدوى وواقعية الحل المغربي" كخطوة رابعة مهمة وفق ما ذكرته بنبراهيم.
قبل أن تؤكد أن “الخطوة الخامسة تتمثل في دفع المسار السياسي، برعاية الأمم المتحدة، نحو التنفيذ الفعلي لمبادرة الحكم الذاتي، بما يجعل منها واقعا نهائيا يُنهي هذا النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية".