اقتصادكم
يشكل الأمن اليوم أحد المرتكزات الأساسية في البنية الاقتصادية الحديثة، حيث لم يعد ينظر إليه كعبء مالي فقط، بل تحول إلى عنصر إنتاجي استراتيجي يعادل الاستثمار في البنية التحتية أو الرأسمال البشري. فالأمن يضمن استقرار شروط الإنتاج، ويخلق بيئة محفزة للمبادلات، مما يجعله أحد أصول الاقتصاد غير الملموسة ذات القيمة العالية.
وحسب ما أكده آخر تقرير لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، فإن الاستقرار الأمني أصبح محددا رئيسيا لجاذبية الاقتصاد المغربي، حيث ينظر إليه كعنصر استراتيجي في تعزيز ثقة المستثمرين وتقوية تنافسية البلاد في سلاسل القيمة العالمية. التقرير أبرز أن الدول غير المستقرة أمنيا تفقد سنويا نسبا كبيرة من ناتجها الداخلي الخام بسبب تراجع الاستثمارات وتنامي كلفة المخاطر.
وفي السياق المغربي، لعب الاستقرار الأمني دورا محوريا في تفعيل النموذج التنموي الجديد، وفق التقرير الذي حصل موقع "اقتصادكم" على نسخة منه، حيث استطاع المغرب، من خلال سياسة أمنية شاملة، القضاء على معظم أشكال التهديد، ما جعله وجهة مفضلة لدى المستثمرين. وقد انعكس ذلك في ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي بلغت 43.2 مليار درهم سنة 2024، مقارنة بـ26.3 مليار سنة 2023، وهو ما يعكس الدور الاقتصادي الملموس للمؤسسة الأمنية.
وعند المقارنة إقليميا، يتضح الفارق، ففي تونس، أدى تدهور الوضع الأمني بعد هجمات 2015 إلى تراجع الاستثمارات بنحو 20%، في حين تسببت أحداث 2011 في مصر في انخفاض الاستثمارات من 13 مليار دولار إلى أقل من 3 مليارات خلال عامين فقط. هذه التجارب تبرز كيف يمكن لانعدام الأمن أن يتحول إلى كلفة اقتصادية مباشرة.
وفي المغرب، ساعد الاستقرار في تقليص "منحة المخاطر" بالنسبة للمستثمرين، أي الفارق الذي يضاف لتغطية مخاطر الاستثمار في بيئات غير مستقرة. وبفضل انخفاض هذه الكلفة، توسعت قاعدة المستثمرين في المغرب لتشمل قطاعات متقدمة مثل صناعة السيارات والطيران والطاقات المتجددة، مما رسخ موقع المملكة كمنصة إقليمية للإنتاج والتصدير.
أما في قطاع السياحة، فقد تحول الأمن إلى رافعة اقتصادية رئيسية. سنة 2024، استقبل المغرب 17.4 مليون سائح، محققا مداخيل قياسية تجاوزت 119 مليار درهم. هذا الأداء يعكس بوضوح أثر الاستقرار الأمني على قطاع حساس مثل السياحة، خاصة عندما نقارنه بتجارب دول أخرى في المنطقة فقدت جاذبيتها السياحية بسبب هشاشة أمنية.
النجاح المغربي في السياحة يعزى أيضا إلى كفاءة أجهزته الأمنية في حماية الفضاء العمومي والمواقع السياحية، مما رسخ صورة البلاد كوجهة آمنة. وقد استفادت قطاعات موازية مثل النقل الجوي والصناعة التقليدية من هذا الزخم، في حين فشلت دول مثل مصر وتركيا في الحفاظ على نفس الأداء السياحي خلال فترات الاضطراب السياسي والأمني.
وأبر التقرير ذاته، أن الأمن دورا غير مباشر في تعزيز الأداء اللوجستي والاستثمار الصناعي، حيث احتل المغرب مرتبة متقدمة في مؤشر الأداء اللوجستي لعام 2023. هذه المرتبة لم تكن لتتحقق لولا بيئة أمنية مستقرة تضمن سلاسة سلاسل التوريد واستدامة الخدمات اللوجستية، ما يجعل من الأمن ليس فقط ضمانة للاستقرار، بل ركيزة أساسية للنمو والتنافسية.