اقتصادكم
في ظل تنامي الكثافة السكانية بالوسط الحضري لجهة الدار البيضاء سطات، وأمام محدودية البقع الأرضية المخصصة لبناء وحدات سكنية مستقلة فقد أضحت هذه الأخيرة غير كافية لتغطية مستوى الطلب المتزايد، مما ساهم في ارتفاع أثمنتها والدفع بغالبية الأسر إلى اقتناء أو كراء شقق بالإقامات السكنية المشتركة، وبالتالي الانصياع لمبدأ التعايش مع باقي الجيران وتحمل اختلافات طبائعهم وعاداتهم المتباينة.
ومن أجل تقنين وتأطير العلاقات بين الملاك وتحديد حريات ومسؤوليات الجميع، في ما يصطلح عليه قانونيا بالملكية المشتركة، اتجهت معظم الإقامات إلى تأسيس اتحاد الملاك، وهو المكتب الذي يعهد له بالسهر على حسن تسيير ومواكبة وصيانة المرافق المشتركة من أدراج وحدائق ومرائب وإنارة عمومية ونظافة ومسابح، وغيرها.
وبعد تجارب دامت عدة سنوات، باتت غالبية الإقامات تتجه إلى اختيار وكيل اتحاد الملاك "السانديك" من خارج المجموعة السكنية بصفته الذاتية أو الاعتبارية (المعنوية) رغبة من الساكنة في تحقيق مخرجات الجموع العامة لهذه التكتلات بكل موضوعية وبدون محاباة، وذلك في ظل الاحترام التام لمقتضيات النظام الداخلي المتفق عليه سلفا، والإطار القانوني الذي يحكم هذا النوع من الملكيات المشتركة.
وعلى إثر هذه العلاقة التجاذبية التي تفرضها الحاجة الملحة للركون لمثل هذه الشقق، حيث تتشكل فسيفساء من الساكنة المتباعدة والمتباينة من حيث المستويات المادية والتعليمية، تطفو على السطح سلسلة من المشاكل قد تفضي إلى دخول الجيران في شنآن وصراعات، يتطلب حلها أحيانا اللجوء إلى السلطات أو إلى القضاء.
وعلى ضوء ذلك، تم التوقف عند مجموعة من المشاكل والقضايا التي منها ما يمكن احتواؤه في حينه إذا ما تم الاحتكام إلى رزانة العقل وشيء من نكراء الذات، ومنها ما يتطلب تدخلا من طرف جهات ثالثة.
وفي هذا الصدد، يقول خليل الخياطي، نائب وكيل اتحاد الملاك بإقامة مكونة من 157 شقة بالمحمدية، إنه من بين المشاكل التي تنم على عدم الاحترام المتبادل بين السكان هناك ركن السيارات بالمرائب في أماكن غير مسموح بها مما يعرقل انسيابية المرور.
إلى ذلك ينضاف إقدام بعض السكان، أو أبنائهم، على طلاء الجدران بالصباغات والمخطوطات التي تفسد جمالية الإقامة، أو استغلال الأماكن المشتركة من حدائق وممرات، أو إقامة الحفلات والسهر حتى أوقات متأخرة من الليل بفضاءات محاذية للساكنة مما يتسبب في الإزعاج والأرق..
واعتبر الخياطي في هذا السياق، أن الحل لمثل هذه التصرفات يكمن في احترام كل ساكن لإطار حريته وتحمل مسؤولياته من أجل الحفاظ على الحقوق والمصالح المشتركة، وفقا لما تضمنته بنود النظام الداخلي للسنديك، وذلك لتفادي مختلف المشاكل التي قد تعكر صفو العلاقات بين الجيران.
كما أكد على ضرورة الالتزام بدفع مستحقات السانديك قصد تأمين السيولة اللازمة للقيام بأعمال الصيانة الضرورية وإنجاز مشاريع أخرى كفيلة بالرفع من جاذبية المبنى ورونقه، "بدلا من ذهاب الجهود سدى وهباء في معالجة التخريبات المفتعلة".
وفي هذا السياق، أكد أحد سكان إحدى الإقامات المكونة من 64 شقة أن بعض السكان، خاصة من لم يتعودوا على السكن في مثل هذه الإقامات المشتركة أو من يتخذون من هذه الشقق مجرد فرصة استثمارية، يمتنعون عن أداء ما بذمتهم تجاه وكيل اتحاد الملاك، مما يعرقل السير العام لمجموعة من الأنشطة و الإصلاحات، وكذا الأوراش الكفيلة بتأمين مظهر أفضل للإقامة.
من جهته، استعرض خالد باجي، سانديك متطوع من بين أفراد الساكنة في الإقامة التي يقطن بها، جانبا من المشاكل التي تعيشها هذه الإقامة المتمثلة أساسا في غياب المداومة على معالجة مياه المسابح والمحافظة على رونق وجمالية الحدائق، وكذا تناثر الأزبال والنفايات المتراكمة، وعدم إمكانية استعمال المرآب، وتعطل المصاعد والإنارة بالأدراج والممرات.
هذه المشاكل من بين أخرى، التي تنغص حياة السكان وتضر بالمجال البيئي والجمالي، تنتشر بشكل كبير في العديد من المجمعات السكنية دون أن يأبه أحد لأضرارها المتعددة سواء على المستوى النفسي أو الصحي أو الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، أكد الأستاذ أحمد الحمامي، محامي بهيئة الدار البيضاء ورئيس فرع مركز حقوق الإنسان بمدينة بنسليمان، أن خدمة الوكيل "السانديك" قد لا تسلم من بعض العراقيل والخلافات أو النزاعات بين الملاك وحينها يتم الاحتكام لما تضمنه قانون 00 -18 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، الصادر في صيغته المحينة بتاريخ 16 ماي 2016، والذي سن فيه المشرع المغربي مجموعة من المقتضيات القانونية لفض النزاع، مستعرضا في ذلك إمكانية عقد جمع عام استثنائي بثلاثة أرباع المنخرطين، وإن كان النزاع يخص الرئيس تعهد مهمة التسيير لنائبه.
وإذا ما استعصى الأمر، يضيف الأستاذ الحمامي، يمكن اللجوء إلى المحكمة الابتدائية المختصة التي يرجع العقار إلى دائرة نفوذها، مبرزا أن المشرع خصص مجموعة من المساطر للتوفيق بين قانون المسطرة المدنية والقانون المذكور ( 00- 18) الذي يمتاز بالسرعة في تنفيذ هذه الأحكام ذات الطابع الاستعجالي لسد هذه الثغرة وعقد جمع عام استثنائي والمصادقة على تقريره قبل أن يودع لدى السلطات المحلية (في حالة العقارات المحفظة)، أو بدائرة نفوذ المحكمة الابتدائية (بالنسبة للعقارات غير المحفظة).
ويبقى السبيل الأوحد لضمان التعايش الراقي بين السكان هو احترام كل واحد منهم لمجال حريته دون التعدي على حريات الآخرين، والالتزام بأداء الواجبات المادية تجاه السانديك وتمكين الساهرين على صيانة البناية من المصادر المادية اللازمة، مما يضمن للجميع العيش داخل إطار يطبعه نكران الذات والاحترام المتبادل مع تغليب المصلحة العامة.