الشطر التاسع من رواية "أراضي الله"

لايف ستايل - 23-02-2024

الشطر التاسع من رواية  "أراضي الله"

اقتصادكم

 

في يوم من أيام الجمعة، كان المطر غزيرا والسيل قوي كالطوفان. حوالي منتصف النهار، يأخذ رؤوف طريق الجامع ليصل إبان خطبة اليوم الفضيل، يقاطع الفقيه بسؤال يؤرقه دائما:" بماذا يشعر الله عندما يسبه أخد مخلوقاته؟ "

" بالغضب "، يجيب الرجل ذو اللحية البيضاء، يبدو عليه الارتياب وهو يحاول الحفاظ على هدوءه، بينما رؤوف يطأطئ رأسه قبل أن يشق طريقه نحو المقهى، محاطا بطائفة من أصحابه، يحاولون فهم القصد من كل ذلك." لا شيء. كنت فقط أريد أن أعرف إذا كان الله يغضب من وقت لآخر وهذا ما يحدث، جيد، هذا يطمئنني."

 لم يفهم أحد المغزى من موقف ذلك اليوم. لكن الجميع خلص إلى أن رؤوف كان لديه مشكلة كبيرة مع الله وكان عليه حلها، على وجه السرعة، قبل أن يبعث له بسيارة مرسيدس لترديه كالعصيدة أو مجرما يفتح أحشاءه أمام الجامع، على سبيل الغفران. لكن لا شيء من ذلك يحدث. يواصل رؤوف من حين لآخر تشويش الفقيه بأسئلته الميتافيزيقية. خلص أهل الحي الى أن رؤوف فقد عقله بالكامل وكان يجب تركه يحل مشاكله مع الله. ويتجنبوا حشر أنوفهم فيها. لا أحد يعلمᴉ بالنهاية، الله هو الضامن الوحيد لأسراره، وطرق الله مخفية بحيث لا نعلم من أي جهة تميل الكفة، في حالة تفشي الفوضى بين الله ورعيته.

عشرون عاما بعدها، اعترف لي رؤوف:" كنت تظن فعلا بأني كنت أشتمه؟ كنت فقط أبكي اسم الله"، هل أبعدني بحسن نية، بدا مطمئنا ومنفصلا، كما لو كان يتحدث عن شخص آخر، عن شخص مألوف كان يتبادل معه أواصر المحبة والكراهية. كان إذن هذا هو السر. البكاء. أن تذرف الدمع الساخن والمر على اسم اللهᴉ في حين لم يكن أبدا رؤوف يذرف دمعة واحدة لأجل أحد. اهتم بأمه دون تذمر. كتم ضربات الحياة والناس التحتية، دون إلقاء اللوم على أي كان.

 إنه قانون اللعبة وقد رضي به، كما كان يقول. كان يتحملها برأس مرفوع وابتسامة، لكن أن يبكي ذلك ما يبدو لي غريبا على حياة هذا الرجل. فهمت إذا كل المعجم الساخر لمثل هاته الجملة والمسار الكهنوتي لرجل لم يكن أبدا في حرب مع الله، ولكن يفترض أن يكون الله حليفه الوحيد في الحي. رؤوف، المقزز كان بمعنى ما داعية أو زاهد بلغ الدرجات القصوى في التماهي مع الله. ما يمكنه من خرق وتشويه الكلمات لكي يحس بمتعة هذا التميز." لا كراهية، فقط الحب، لا شيء غير الحب، الألفاظ ليست مهمة "، كان يقول لنفسه في إشراق المناجاة، بعيون مجروحة وصوت متحفظ.

 حكى لي أيضا عن حلم كان يتكرر معه دائما، كنوع من المباركة، كما يقول، لكي يبهرج الليالي الجافة لرجل مقطوع الأهل منذ ملايين السنوات الضوئية، يعيش في الامتلاء بالله. دون اصطدام مع الحياة، إنما بسلاسة كالماء الزلال الذي يعبر سهولا خضراء، منحدرا نحو سلام الروح في الحب. 

حكى رؤوف:" رأيتني عاريا، بسحنة مزرقة قليلا ودموع بحجم حبات العنب تجري من عيني تملأ كل الغرفة. سبع عذارى خرجن من أضلعي وغطسن في بحر دموعي وهن ينشدن اسم الله. في هذه اللحظة تحديدا، نهق حمار والعذارى تحولن إلى ملائكة ترقصن حولي في شكل دائري". 

يستطيع أن يحكي لك هذا الحلم مائة مرة، سيقوله بنفس الكلمات دون أن يفسد التوازن الأساسي لاعترافه الأول. في اعتقادي هذا دليل على صدقه. التقوى بدأت إذن تأخذ شكلها في رأسي. أن تكون تقيا لا يعني شيئا بصراحة. وإذا ما توجب المعنى كان ليكون، رجل يقول نعم للحياة، رجل يقبل الشر، لا يرفض الخير، يعطي، يطلب، يصرخ، يضرب، يبصق غضبه في وجه الجميع، يحب عائلته، يحرق جرذا، يخلع وجه صاحب قديم أصبح واشيا. يجري عاريا في الحي يطلب النجدة لإسعاف أمه، يدفن قطا دهسته سيارة ويطرح أسئلة ملتبسة على كل فقهاء الدرب. تقيا تعني بالتأكيد رجلا بكامل عيوبه ونقائصه يعيش معها ولا يسأل عن العَلَم الذي يطفو فوق رأسه.

 

 

يتبع..

عنوان الرواية : أراضي الله
المؤلف: عبد الحق نجيب