الشطر الثالث من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

لايف ستايل - 06-04-2024

الشطر الثالث من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

اقتصادكم

 


ما الذي أنتظره من الحياة؟ يتساءل حسن كما لو كان يتحدث مع نفسه، ولا يجب المخاطرة بالجواب عنه لأجل مساعدته. لأنه سيصرخ فيك موقظا الجيران: " وما أدراك أنت أيها المجحوم؟ أصوات الشر مثلها مثل أصوات المولى لا يمكن اختراقها". 

وينطلق عنان ضحك هستيري، كل ذلك لمراوغة الدموع والهرب من المحتوم. لم أكن أحب مجاراته في المبارزة اللفظية التي كانت تنتهي دائما بعراك ولثلاث أيام أو أربعة من البرود المروع بيننا. أنا أيضا كنت متهورا مثله لكن أذكى منه. بمعنى أني كنت محتاجا إلى صديقي وحليفي الوحيد في الحي. لم يكن ضروريا أبدا استفزازه لأجل مسألة بسيطة تتعلق بالأفكار، بسبب تفاهات أولي له ظهري. كنت قد تعلمت سريعا كيف أميل معه، كيف أراوغ غضبه، أحيانا أيضا كنت أستفيض معه في المعنى لكي يتصالح مع نفسه وكي لا يحس بأنه منبوذ من طرف الجميع:" أتعرف ما هو أكثر شيء يجعلني أغضب؟  ألا يفهمني الآخرون، أتساهل مع الأهل، لأني لا أنتظر شيئا من والدي وإخوتي. كل ما أقوله يبدو لهم هذيان بحكم مسبق. 

ولكن عندما أشخاص مثلنا أنا وأنت، غارقون في القذارة، يقضون أيامهم في شكر الله وحمده، لاستيقاظهم كل صباح كما لو أن الله يقدم لهم هدية. هذا لا أحتمله. أنا أقول، لا يجب شكره. بل على العكس من ذلك يجب أن نسأله لماذا أربع وعشرون ساعة أخرى من العذاب المجاني. أعتقد أيضا أنه لو كان لديه قليل من الإحساس، سيستعمل آلامنا يوم الحساب لحل أي معادلة، بصراحة حكايته ليست واضحةᴉ ملتبسة قليلا بالنسبة لي هذه الخزعبلاتᴉ " يترك كلماته تلك تنفلت وهو ينهي خطابه بوشوشة كما لو أن صوته أتخذ مسارا آخر.

- معك حق، أقول. لابد من وجود سبب معقول...
 - توقف، ما من سبب. قلت لك هذا لأوضح لك بأن هذا كله لعبة فارغة، هل تفهم؟ إذن إما أن تفتح آذانك أو تغلق فمك. هل تعرف أنه أحيانا تذكرني بالآخرين الذين لا يفكرون في شيء غير الكرة؟ سيلتهمون دماغك، إذن خذ حذركᴉ 

  نعم أيها الزعيم، قلت لنفسي في يأس شديد. أعرف أنك مخطئ لكن لا بأس، سنمررها هذه المرة أيضا باسم الصداقة، سأتخلى عن أفكاري وعن قناعاتي وعن احتجاجي. ما قيمة كل هذا أمام فوضى وضياع صديقي، مخطئ كان أو مصيب؟ لا شيء ذا أهمية بالمقابل. المهم هو أن تجد هذه المعاناة في العيش سريرا مريحا لتستلقي عليه وقد كنت أنا من يرتب له هذا السرير حيث تنهال كل شوائب الحياة دون أي أمل في الخلاص. شيء يفرغ الأحشاء، أسوأ من حالة إسهال حاد، أن نكون بمثابة مكب نفايات للأشخاص الذين نحبهمᴉ كنت أتخلص من كل حثالة في الحي. كنت بعيدا عن متناول الجميع في الحي، لكن مع حسن كان يجب التحفظ، كان الشاب يخوض معركة وحده مع الحياة ومع العالم ومع الله. ثم آتي أنا سعيدا بغبائي لألقنه دروسا عن لا جدوى هذا الموقف أو ذاك من أي شيءᴉ لا، كان حسن على حق، أمام وضد الجميعᴉ 

في اليوم الذي دخل القسم حليق الرأس، سأله الأستاذ أين ذهب شعر رأسه الكث، أجابه كمن يردد في سره:" هكذا لن تجد اللعنة الإلهية أي عائق في اصطياد رأسي الشبيه برأس الصيادᴉ" كان الأستاذ في حيرة من أمره:" أخرج من حصتي يا ابن العاهرة، اخرج ولا تعد إلى هنا أبداᴉ" هكذا صرخ الأستاذ المسكين على غير هدى. لوح لي بإشارة من يده وهو يخرج، كما ليقول: " أرأيت؟ حتى الأستاذ غير قادر على فهم إلى أين يتجه العالم؟" لم أكن أعرف إلى أين تتجه هذه السفينة القذرة التي هي العالم في ذلك الوقت، أما اليوم فلا عابرون حتى أو هم أشباح مرعوبة وشاحبةᴉ لكن ألا يجب أن يكون هناك توقف لهذا المنفى؟ ألا يجب أن يصرخ أحد يوما ما فجرا، وصلنا خط النهايةᴉ انزلوا جميعاᴉ ". الحقيقة، من الأفضل الانجراف بلا مراسي ولا مرافئ. الإبحار في مهب الريح دون مرساة. حسن هذا كانت له نظرية عن الوجهة التي يأخذها مركب الحياة. كان يقول بأن وجودنا ليس كالأرض، لم يكن دائريا وإنما خطيا. 

لا نستطيع أبدا العودة إلى الخلف، إلى أي من نقط الانطلاق. تستطيع فقط أن تتقدم وتتقدم بأنظار مشدودة إلى الأمام معلقة بالأفق الذي يلمع لكنه بعيد المنال. لأن المستقبل يجب أن يرشدنا كفانوس لا يجب أبدا أن نلمسه. كلما اقتربنا منه، كلما ابتعد لكي يضيء دربا آخر غير معروف من طرفنا جميعا ويجب أن يبقى كذلك.