الشطر الثالث من رواية "أراضي الله"

لايف ستايل - 17-02-2024

الشطر الثالث من رواية "أراضي الله"

اقتصادكم

 

أولا عبد الخالق،" العينين الخارجين"، بمهراز، الياقوتة السوداء، والسي احمد، المجرم. غير أن المرة الوحيدة التي ارتكب فيها الشاب ما يسمى جنحة كانت في سنة 1981 أثناء أعمال الشغب لشهر يونيو الشهيرة التي أضرمت النار في مدينة الدار البيضاء. 

مومو المجرم كان في سيارة يدخن لفافة حشيش مع زميله. كنت شاهدا على ذلك أمام كل الآلهة وكل الأولياء وكل الشياطين. المشتبه بهما حكما بالحبس سنتين نافذتين جراء أعمال التخريب والإضرار بمصالح الدولة. إضرام النار، السرقة والاعتداء على أولي الأمر، ثلاث تهم رئيسية ثبتت ضدهم. مومو لم يستطع أبدا أن ينهض من جديد. حالة إغماء عميقة عطلت حياته. " الثقب الأسود " كما كان يقول عندما يستطيع تنسيق ثلاث كلمات. منذ خروجه من السجن دخل في صمت رهيب، يتأمل كناسك لغاية غير محددة.

 كانت القصة موضوعا دسما في الحي. المجرم احرق السيارات أثناء أحداث الشغب، لا أحد يريد التصديق. بدا الأمر مستحيلا، كأن تقول إن جردا ابتلع أسدا. يتذكر الجميع دائما تلك اللحظة عندما كان الحي ينزف والسيارات تلتهم في اللهب، الجميع كانوا يطلبون رأس مومو لأنه لا يعرف ما الذي يجري ويسأل النفر منهم، وهو يسحب نفسين من لفافته الثقيلة، " ولكن ما الذي يحدث لكم تفرون هكذا، ما من حريق على أي حالᴉ " ملتفتا لمساعده بلفافة الحشيش، ومعبرا، " الحي فقد عقله، جن الجميع، ترى كيف يهرولونᴉ؟ ".

عند رؤية المجرم تفهم انه غير قادر على بذل أدنى مجهود وهو الهائم في السحاب طول الوقت، الأرجل ثقيلة والرأس مسطول تماما. لكنه دفع ثمن جرم غير واقعي، ربما لأن تصرفاته حيال الحدث كانت وقحة. السلطات حينها لم يفهموا كيف يستطيع أن ينفصل عن كل ما يدور من حوله. كيف يستطيع تدخين الحشيش، بينما البلد يهوي بسبب لحظة استعاد فيها الوعي بشكل باهت وجزئي، كان البلد محموم وطريق النجاة الوحيد هو الشارع، حيث اندلعت نيران الرفض.

 سي أحمد، الذي فقد حاضره وماضيه منذ تلك الليلة، كان عليه رؤية عجلة القدر تسحقه بلا رحمة. ظل مكوما في صمت لم يكن عجزا عن الفهم ولا عدم اهتمام، كان ببساطة فراغا ذهنيا أمام الفزع والكره. كان يقول بعد خروجه من السجن بجسد نحيل، وعينين سوداوين شاردتين، وسحنة رمادية، يرتدي سترة من الصوف مخرمة من الظهر. بان شرطيا كان يضع في فمه خرقة مغموسة في البول لكي يخنقه. همس في أذنه: " قل لهم بأنك أحرقت شيئا ما، لكي ننتهي ". مومو، لم يفهم بأن الشرطي كان قد تعب من الضرب، كان متعرقا جدا وقد أمضى ساعات طويلة يستنطقهم، عيناه كانتا قد احمرتا بفعل العرق والروائح النتنة، وهو مازال يتابع مومو في غفوته.

 سي أحمد تغير فجأة، لم يعد يدخن كما في السابق. يتعاطى كل ما يمكنه أن يبدد الواقع وينخرط في الحب مع خرقة من الحي. هي أيضا من النزيلات سابقا بسجن النساء، بعد محاولة قتل. هو وهي لا يفترقان. هيكلان متجولان. باطلان يجوبان الإسفلت يستعرضان الوجه الحقيقي للإجحاف والظلم. بمعنى ما، مومو ورحمة يشغلان جيدا دوريهما كفزاعتين. حيث فهمنا في الجوار بشكل صحيح ضرورة تجنب السقوط في الشباك التي سقط فيها هذين المحطمين.

 رحمة حاولت يوما قتل رجل اغتصبها رفقة اثنين من رفاقه وحاول في زلته تلك اغتصاب ابنتها ذات العشر سنوات. الشابة سحبته الى الحانة بعد ستة أشهر. وهناك، عقدت العزم على النيل منه بان حاولت قطع قضيبه. يعني القصاص ليس إلا، لكن الرجل اشتكى عليها بأن أرسلها إلى السجن لسنوات عدة. لم نسمع عنها أي شيء. دفنت في السجن وتم نسيانها، انمحت من الذاكرة الخصبة لهذا الحيز الصغير من العالم. إبان خروجها لم يكن لديها شيء، فقدت حضانة أبنائها ومنزلها وكل الماضي، على الأقل بقي لديها بعض المستقبل. سي أحمد، المجرم، استضافها في غرفة على السطح في بيت والديه حيث يسترجعان ذكرياتهما القديمة.
 

يتبع...

عنوان الرواية : أراضي الله
المؤلف: عبد الحق نجيب