تحلية المياه: الرهان المائي للمغرب في اختبار الواقع

آخر الأخبار - 23-12-2025

تحلية المياه: الرهان المائي للمغرب في اختبار الواقع

اقتصادكم 

 

في مواجهة ندرة مائية أصبحت بنيوية، اختار المغرب أن يحسم خياره الاستراتيجي عن طريق تحلية مياه البحر كدعامة أساسية للأمن المائي الحضري، حيث يتمثل الهدف المعلن في تغطية نحو 60% من حاجيات المملكة من الماء الصالح للشرب عبر التحلية في أفق 2030، وهو خيار طموح يضع المملكة ضمن أكثر الدول المتوسطية جرأة في سياساتها المائية، لكنه يطرح في المقابل إشكالات معقدة تتجاوز مجرد توفير الموارد.

يأتي هذا التحول في سياق مقلق، حيث انخفض متوسط نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً، أي نصف العتبة التي تحددها الأمم المتحدة كخط للفقر المائي. ومع تكرار سنوات الجفاف، وتزايد الضغط الديمغرافي، وتراجع موثوقية الموارد التقليدية من سدود وفرشات مائية، بات من الصعب الاستمرار في النموذج القديم القائم على تعبئة المياه السطحية والجوفية.

في هذا الإطار، تظهر تحلية مياه البحر كحل سريع وفعال لتأمين حاجيات المدن الساحلية الكبرى، من الدار البيضاء إلى أكادير، مروراً بالأقاليم الجنوبية. ويصف خبراء هذا الخيار بـ«الدرع الحضري» في مواجهة عدم اليقين المناخي، باعتباره يوفر مورداً غير مرتبط بالتساقطات.

قابلية تقنية… لكن بكلفة مرتفعة

من الناحية التقنية، يبدو الهدف قابلا للتحقق شريطة احترام آجال إنجاز المشاريع الكبرى المبرمجة على الساحل. غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في القدرة الإنتاجية وحدها، بل في الكلفة الاقتصادية لتحلية المياه، والتي تظل أعلى بكثير من كلفة المياه التقليدية، بسبب الاستثمارات الثقيلة ومتطلبات الطاقة المرتفعة.

وتطرح هنا مسألة توزيع هذه الكلفة: هل ستتحملها الميزانية العامة؟ أم ستنعكس على فواتير المستهلكين؟ إن غياب مقاربة شفافة قد يؤدي إما إلى ضغط مالي إضافي على الدولة، أو إلى تحميل الأسر أعباء اجتماعية يصعب تحملها.

إشكال العدالة المجالية والاجتماعية

اجتماعيا، يثير خيار التحلية تساؤلات حول الإنصاف المجالي. فالاستفادة الأولى تذهب إلى المدن الكبرى والمناطق السياحية حيث القيمة الاقتصادية للماء مرتفعة، بينما تبقى المناطق الداخلية والفلاحة البورية عرضة للهشاشة المائية.

من هذا المنظور، لا يمكن للتحلية أن تشكل حلاً شاملاً، بل أداة ضمن منظومة متكاملة. فهي تؤمن الحاجيات الحضرية، لكنها لا تعوض سياسات ترشيد الاستهلاك، ولا إصلاح اختلالات الطلب، خاصة في القطاعات الأكثر استهلاكاً للمياه. ويبرز هنا دور التسعير التدريجي كآلية لتحقيق التوازن بين حماية الفئات الهشة وتحفيز الاستخدام الرشيد للمورد.

البعد البيئي والطاقة: معادلة حساسة

يمثل الأثر البيئي أحد أكثر جوانب التحلية حساسية. فهذه المحطات تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، ما قد يؤدي، في حال عدم ربطها بشكل واسع بالطاقات المتجددة، إلى نقل الضغط من الندرة المائية إلى التبعية الطاقية والانبعاثات الكربونية.

كما تطرح تصريفات المحلول الملحي في البحر تحديات حقيقية على مستوى حماية النظم البيئية الساحلية والتنوع البيولوجي. وهنا يصبح احترام دراسات التأثير البيئي، وتوفير آليات مراقبة صارمة وشفافة، شرطاً أساسياً لضمان استدامة هذا الخيار.

التحلية ضمن مزيج مائي متكامل

تُظهر التجارب الدولية، خاصة في إسبانيا والسعودية، أن تحلية المياه لا تنجح إلا حين تندرج ضمن مزيج مائي متكامل، يجمع بين إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، تقليص التسربات في الشبكات، تحسين الحكامة، وضبط الطلب، خصوصاً في القطاع الفلاحي الذي لا يزال الأكثر استنزافاً للموارد التقليدية.

إن الرهان المغربي على تحلية المياه طموح، بل وضروري، لكنه يظل رهاناً مشروطاً. فبدون كفاءة تشغيلية، وعدالة اجتماعية، وتسعير عقلاني، وربط واسع بالطاقات النظيفة، قد يتحول هذا الخيار من حل استراتيجي إلى عبء مالي وبيئي.

فالتحلية ليست عصا سحرية، بل أداة قوية لا تؤتي ثمارها إلا ضمن رؤية شاملة للأمن المائي، توازن بين العرض والطلب، وبين الحاضر والاستدامة طويلة الأمد.