اقتصادكم
أثناء الإعلان عن جريمة قتل حيث كان رجال الشرطة يعلمون بكل التفاصيل، عن ساعة ومكان الجريمة وملابساتها وحتى السلاح الذي سيستخدمه القاتل. دون تحريك ساكن، يتركون الحثالة يقضون على بعضهم البعض، حيث عبد الله وهو صديق قديم سقط ميتا.
عبد الله الأعرج كان أسطورة حية، يهابه الجميع، لكن لا أحد يقدره، حتى خادموه، احتشدوا في أحياء أخرى للقيام بحيلهم القذرة. قاتله أقسم بأنه سيقضي عليه ليلا بالقرب من منزله، بشجاعة لا نظير لها. كان عبد الله يعلم لأن الجميع تناقلوا الخبر، والقاتل أيضا كان يعلم بأن ضحيته قد وصله الخبر. كانت الشرطة أيضا قد حصلت على تفاصيل الجريمة المزمع تنفيذها والآباء أيضا، باختصار، كان يوما حافلا بالمناظرات والنقاشات والتشويق في انتظار نهاية الليلة. في الثالثة صباحا خرج جمال من بيت والديه، يحمل ساطورا تحته لملاقاة عبد الله الذي كان ينتظره عند باب منزله، لينخرط الإثنين في عراك دامي استمر إلى طلوع الفجر.
انتهى بإصابة عبد الله في بطنه وبروز أحشاءه، كان يحاول إعادتها إلى مكانها وهو يلعن ابن الكلبة الذي لم يكن قادرا حتى على إنهاءه بطعنة واحدة. ثم اتى اخ علي الذي يخرج باكرا إلى العمل في ورشة اللحام بعيون محروقة، ليساعده على إعادة مصارينه التي باتت في الهواء إلى مكانها، وعبد الله يستند برأسه على كتفه. انطفأ عبد الله على مهل وهو يتكلم عن أشياء كثيرة، ظلت حية بذاكرتي. لم تحل الشرطة ببيت جمال الا بعد الساعة الثامنة صباحا لكي يتم القبض عليه مستسلما للنوم على سريره بعد معركة قاسية، كما لو أن شيئا لم يحدث كان يقول للشرطة بأنهم مخطئون بأخذه لأن عبد الله لم يمت رغم الطعنات الكثيرة.
كان يردد بأن المسألة تخصهما معا وبأن الشرطة لا دخل لهم بالأمر. حوكم بخمس عشرة عاما، أما عبد الله فقد تم دفنه مثل كلب دون شهود اللهم عائلته واثنين من المتاجرين الذين كانا يحملان رزمة من المال ليقدماها لأمه. في اليوم نفسه تولى أخو الأعرج أمر الطلبيات في حيز من الشارع. وقد نصب نفسه " القايد" ب بلوك 7.
لنعد إلى الصراصير. كان علي صديقا وفيا لحشراته الصغيرة، التي نطلق عليها بالعامية اسم سرّاق الزيت بمعنى الحشرات التي تسرق الزيت، ربما لأن الصراصير تبدو لامعة، انها الحشرات الأكثر لمعانا، يخيل إلي أنها خرجت للتو من إناء زيت البارا فين. مؤكد أن الصراصير كانت تحبه، لأنه كان يحسن التعامل معها، يطعمها كل يوم فتات الخبز والقليل من الزبدة، بقايا التفاح الفاسد، قشور البطاطا، أي كل ما يجده دون أن يتوانى عن الذهاب لجمع القمامة، حتى يحتفظ ببعض البقايا في حال قام عمال النظافة بمسح المكان وقبل أن يتم إفراغ الحاويات وتنظيفها قبل الفجر.
شيئا فشيئا بدأت الصراصير تفهم أن علي لم يكن من أولئك الذين يدعسون الصراصير لكي يرو ذلك السائل الأبيض الذي يخرج من مؤخراتها. بل على العكس من ذلك، كان يكن لها التقدير لأنهم موظفوه الذين تجب حمايتهم، وإخفاءهم عن الزملاء، يحرص على إبقاءهم دافئين، وأن يمنحهم جولة على الكرتونة في عز الشمس من وقت لآخر، لكي يمرنوا أرجلهم قليلا، وخاصة وأنه يتوجب عليهم الجري عشرون جولة في اليوم على الأقل، القليل من التمرين لن يضر، يحدث أن يضعهم في محفظته الكرتونية ويأخذهم معه ليستمعوا إلى تفاهات أساتذته الذين سمعوا عن تعاملاته المشبوهة مع لصوص الزيت الصغار، يحدث أن يقوم بإفراغ محفظته البائسة على مرأى جميع من في الفصل، لكي يثبت للأستاذ بأن ما يحكه عنه الزملاء ليس سوى أكاذيب تحركها الغيرة والحسد.
لكن قبل الدخول إلى الفصل كان هناك دائما سامري متآمر يبيع الفتيل، يعني أن يتركه يربح مرة أو مرتين أثناء المراهنات على سباق الصراصير. وحيث يقوم بتهديده، يترك علي علب الثقاب وأصدقاء ثروته الصغار في العشب. بعيدا عن مداس التلاميذ الذين يستطيعون سحقهم في أي لحظة. بعد الخروج يستعيد موظفيه وهو يجر خلفه حشد من المقامرين مستعدون للمراهنة.
خمس دراهم أرباح في اليوم، بالنسبة له نجاح باهر في ذلك الوقت. يمكنك فعل الكثير بخمس دراهم يجمعها بعشرة أو عشرين سنتيما. حيث يستطيع العودة إلى المنزل بعد المدرسة مصحوبا ببعض الأكياس المملوءة بالخضر وفاكهة أو إثنين لأمه وخاصة إجاصة أو اثنتين لأنها الفاكهة المفضلة لديها، ثم بعض الحلوى للاستئناس بها أثناء مشاهدة فيلم الرعب ليلة الخميس على القناة الوحيدة التي توجد على التلفزيون والتي يتم بثها مساءا الساعة السادسة إلى غاية الحادية عشر ليلا.
يتبع...