الشطر الحادي والعشرين من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

لايف ستايل - 22-03-2024

الشطر الحادي والعشرين من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

اقتصادكم

 

 

كثير من الذكريات مع هذه الصراصير وسباقاتها، التي كان صديقي يرغب في تصوير فيلم عنها حتى أنه وجد العنوان المناسب للفيلم " سيزيف بين الصراصير ". 

أحببت هذا السبر الفلسفي، أرى أن تضخيم الواقع يتمثل بالكامل في كلمة سيزيف. كلمة واحدة من شأنها تلخيص الفيلم، بعيدا عن كل هذه الأسماء اللعينة العظيمة: سيزيف، بروميثيوس، تان تال، ثانا توس... كنت أعشق لو أستطيع أن استثمر حياتي في أفلام عن هؤلاء الأساطير المعذبين. حسن لم يكن لديه أي حس سينمائي لكن مع ذلك استطاع إنجاز سكريبت جيد بالصور عن مسابقات الصرصور سيزيف نحو قمم المجد. سيزيف السعيد، كنت أقول مقتبسا الصيغة عن كاتب كنت أقرأ له كثيرا في تلك الفترة، متجاهلا بالطبع حقوق الكاتب. كان حسن يبتهج. سيزيف سعيد بين الصراصير. كان يضيف أي شيء يسقط عن شفتي، بإمكاني التفوه بأكبر التفاهات، تبدو له هو بمثابة وحي يوحى، كان يرتشف سخافاتي ويصفق لكل ما أقول، وهو يحث الآخرين على متابعتي. "هل ترون كيف يفسر الأشياء؟ قلت لكم بأنه داهية، الأمر واضح لكنكم لا تريدون رؤيته ".

موشحات من هذا القبيل، ما يمكنه من ملء كتاب عني. بالتأكيد لا شيء مما كان يقول كان حقيقيا، على الأقل بنظري، لم أكن أعتبر نفسي تقيا، أو نورا يضيء لأجل الآخرين. فكرة واحدة كانت تدور برأسي، أن أستطيع تحصيل بعض النقود، لكي أعود في المساء إلى أمي برأس مرفوع، محملا بأكياس الطعام، تماما مثل صديقي علي. سيزيف قبيلة الصراصير لم ير النور أبدا. بقي مجرد حلم كحال العديد من المشاريع، مسودة بالعقل، صور خاطفة تضمحل في الذاكرة مع مرور الزمن. مباريات الصراصير علمتني إلى أي حد يمكن التحكم بالصدف. بالتأكيد كان النرد يبرمج مسبقا. أنا وعلي كنا نعرف من بين الصراصير يربح أو يخسر، لكن أحيانا كنت أنا من يجر شرائط اللعبة. كنت أقرر من يمكنه الفوز بالرهان حسب وجه الزبون. حتى الذين لا تشعرني وجوههم بغير الازدراء، أستطيع أن أجعلهم يربحون فقط لكي يتم استئناف اللعب. لماذا مثل هذه التقنيات الملتوية لاحتيالي على القدر؟ إنه الرفض لهذا القدر نفسه، رفض يروضه الغضب الذي يكبر بداخلي ضد كل الثوابت، قاصدا النبش في المحظور، كان هدفي هو توجيه مسار اللعب. أن أمنح فرصة للخاسرين كما للرابحين. كنت أرغب في حصد كل شيء ووضع البذور على الأرض ليعاد زرعها في طمي بكر. أردت أن أدفع بالأطفال إلى تجنب المراهنة على الأقوى، وذلك بجعله يتعثر، بجعله يسقط عن قاعدة التمثال لكي يكون لهذه اللعبة اللعينة معنى أو ما شابه. 

كما يجب رؤية وجوه الصبية عندما لا يتمكن المتفوق من الفوز، شيء يتحدى قدراتهم على الفهم، ما يعني أن ذلك مستحيل، يهتز منطق الأشياء وهو ما يتطلب شيطانا يلعب في مساطر الإله الطيب. الإله الذي يرتب كل شيء ضمن مخطط لا يحتمل الخطأ. ومع ذلك يمكنني جعل الآلة تصدر صريرا، يمكنني تعثير العتاد الإلهي، بمعنى ما، كنت أحس بأني أستطيع وهذا الإحساس عوض أن يطمئنني، زرع في داخلي أكبر المخاوف. يحضرني اليوم فصل مضحك من حياتي المدرسية. كنت في العاشرة عندما أخرجت نظريتي على الفور حول مفهوم العالم لمعلمنا صاحب البدلة الرمادية الباهتة، لم يستطع المسكين أن يثبت في مكانه، كان يترنح كدجاجة طار عنقها. تمتم في لبس واضح بأني ممسوس بالشياطين. لم أستطع التحكم بنفسي من الضحك بسبب ردة فعله، بينما كان القسم في صمتهم يغرقون. تم تأديبي بطريقة جميلة. 

أعمال إضافية، ناقص إثنين من متوسط الامتحان كما كان علي ترك مكاني لغبي تفوح منه رائحة نتنة. هذا كان جزاء رؤيتي المختلفة عن تلك التي لدى أقراني في الفصل في تلك الفترة. كانت تلك طريقة قاسية جدا لإخباري بأن تفردي ليس له مكان بينهم. يجب أن أفكر كما يفعل الجميع أو أغادر. ومع ذلك، في تلك المرحلة لم يكن الله بالنسبة لي أكثر من صورة نستطيع تشكيلها حسب احلامنا أو مخاوفنا أو انتظارا تنا. هذه الفكرة البسيطة جدا والمسالمة تسببت بفوضى داخل المدرسة. حيث تم حظري، كما كان الأمر يستدعي إخبار أمي وأشقائي والجيران، العثور على الضامن الأخلاقي لكي أتمكن من العودة إلى المدرسة. 

المعلمون من جهتهم لم يبخلوا بجهودهم قصد معرفة من هو هذا الأحمق الذي يملأ رأسي بالخزعبلات، وغني عن القول، كيف نظر أقراني إلي بعد هذا الفصل، مشدوهين بسبب طفل مثلهما، ضائعين في تأملاتهم عنه وعن جنونه، مع إحساس غير معلن بالإعجاب الكبير، لهذا الطفل النحيل الذي يقتني جمله بعناية ويعبر بسلاسة عن رؤيته للعالم. كنت في العاشرة من العمر أيها المقرفون، ما يعني خارج الرقابة الثقافية أو القانونية. في الثانوية كان هناك رجل طيب ومضحك، كان مدرسا للّغة العربية، متشبث بمظهره العتيق كبهلوان أخرق، ولا مبالاته كمتخلف عقلي، ألصق على ظهري اسم أبو محمد، هذا الأخير كان شخصا مشؤوما ينتمي لتنظيم المقاومة السري الفلسطيني. ميزته الوحيدة المناسبة هي أنه كان ملحدا. وهكذا أصبحت أبو محمد لأني كنت متهما بالإلحاد. 

كان هذا معادلا في فترة الثمانينات شكلا ومضمونا لقربان الثأر الجماعي. ملحد، يا للفضيحةᴉ يا للجنونᴉ يا للبؤسᴉ كان يتوجب قتلي، إضرام محرقة وحرقي حيا. لم أكن شخصا يستدعي الاهتمام، ومع ذلك، أصبحت شخصية مشهورة في الثانوية على مدى أربع سنوات بفضل مجهودي الخاص.


يتبع...