الشطر السادس عشر من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

لايف ستايل - 17-03-2024

الشطر السادس عشر من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

اقتصادكم

 

كان دائما يرفض اعتنائي به، أن أشتري له السجائر... كنت أود أن أحافظ عليه، كان أمرا طبيعيا في السبعينات، الرجال لا يجدون ما يفعلونه، كنت أعمل في فندق، عند امرأة فرنسية، عادت الى بلدها بعدها، أو أنها ماتت، الله يرحمها إذا كانت ميتة، والله يعافيها إذا كانت على قيد الحياة، لأنها كانت امرأة طيبة. 

لم يكن يريدني أن أعمل في فندق، كان الحمار يقول بأني أجلب له العار، وهكذا كان يضربني كل مساء، لأني شربت كأسا، لأني وضعت أحمر الشفاه، لأني تأخرت دقيقتين، المهم، اعذاره لم تكن تنتهي، لكبير كان يكره اعتمادي على نفسي ومثابرتي، أن أستقل بحياتي، أن أكتري غرفة على السطح، كان يريد أن يراني استجدي الخبز ككل النساء المستسلمات، آخر مرة كسر لي إصبعا، قلت له هذه الجمل الأربعة ورحلت، ولم أعد، من حينها لم أره، عشر سنوات بعد هذا الحادث عاد نحيفا يعرج ويتكلم وحده. انتهى به الأمر بالعمل في فندق بالمدينة بأجر زهيد. الحمار، اترك الماضي ابني، قل الرجال ولو بحثنا عنهم جهارا   في ضوء النهار لن نجد واحدا صالحا.

- الرجال هنا أمامك أمي عايشة، أم تظنين أننا ما زلنا أطفالا؟ نحن قادرون على الكفاح وتدبر أنفسنا، نأتي لرؤيتك ورؤية البنات، نأكل معا، ونحبكن فوق كل هذا، لا تقولي هذا، لسنا سواسية على أي حال.

- مرحى الطاووس نفش ريشه، هذا جيد، سنرى حقيقة ما تقول. ها هنا تجرني الأم عايشة إلى جنبها على الأريكة وتطلب من الفتيات أن يعتنين بالآخرين.
في الغد ونحن نغادر بيت الأم عايشة، أخذني علي على جنب ليعطيني دروسا في الحياة الحقيقية، والتي بالطبع ليست هي هذه التي أحسبني أقودها، أعترف بأني لم أفهم أبدا لماذا شرع في نقاش كهذا، لكني كالعادة مشيت، دون أن أدري.
- الحياة، إما أن تغوص فيها حتى أذنيك وإما أن تكون خارجها، وعندما تكون خارجها تبقى كذلك. هذه هي القاعدة. أعترف بأني لم أفهم شيئا من كلامه، بعد ليلة من التيه في تخوم المتعة. لكني تركته يتشدق.

- لكن خير الأمور أوساطها، تعرف، لديك موهبة تضخيم الأمور يا أخي.
- بالتأكيد خير الأمور أوساطها لكي يرتاح ضميرك، يعقب علي بغضب، لست تعوم مع التيار، كما لست تماما خارجه. تعوم بين تيارين. بعبارة أخرى، أنت تغش نفسك. المضحك هو أنه في نهاية المطاف أنت من تخرج بانطباع جيد أنك تتأقلم دونا عن البقية، إذا كان هذا هو خيارك، أكمل حياتك على هذا النحو ولا تتردد، عش حسب ما يمليه قلبك، اتبع طريق الفلاح.

- أنت غاضب مني لأني اخترت العيش مثل الجميع، لكني لست مثلك، لست مستعدا لخوض المعارك من أجل التغيير، أريد أن أنساب مع الحياة، أن أنتهز الفرص ما أمكن، ثم ها أندا، لا أفكر كثيرا بالأمر، أنا أحب المضاجعة، أحب أن أقضي الليالي عند أمي عايشة، أحب أن أقضي النهاريات في المشي، أحب أن ألعب الكرة، ألا أفعل أي شيء إذا ما فقدت شغفي. اسمع علي، أنا ليس لدي هدف محدد، لن أترك شيئا لا يعنيني يعشش في دماغي، لأكون غير ما أنا عليه.

- عن أي حياة تتحدث؟ لا أرى في أي خانة يمكن تصنيف الحياة في عالمنا الفاحش؟ ثم قطع سير النقاش، وغرق في صمت مطبق. قلت في نفسي أن ليلته عند أمي عايشة لم تكن على ما يرام، لم يمارس الحب كما يرغب، باختصار أدرجت هذا في خانة اللحظات السيئة، حيث تسيطر علينا الرغبة في الفصل مع الأرض جمعاء، وخاصة مع الأصدقاء الأقرب إلينا. أساسا، كنت أعرف صديقي جيدا، أعرف أنه شخص طيب، أعرف أننا في المساء سنلتقي ثانية وسنتجول دون أن نفكر في هذا النقاش الغبي.
 

يتبع...