الشطر السادس من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

لايف ستايل - 12-04-2024

الشطر السادس من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

اقتصادكم

 


كنت أحكي لحسن بوجه تغمره الدموع ومع ذلك لم أستطع مقاومة الضحك. كانت لدي تقلصات في البطن في تلك الليلة التي لا تنسى. سألني حسن كيف استطعت تحمل كل ذلك الضرب؟ في الحقيقة كنت أتألم ولكن مثلما كان السؤال عن سبب الغارة تلك يهرب مني، كنت مثل من كان تحت التخدير. 

بعد أكثر من ثلاثين سنة، مازلت غير قادر على التكهن بالأسباب التي استدعت ذلك الغضب الليليᴉ كنت نائما في أمان عندما انتزعت من عز نومي ليقذف بي في لهيب نار جهنم. كنت أحكي لحسن عن كل هذا بطريقة لا تخلو من الطرافة، وخاصة حسن وهو يسخر من الموقف مفترضا أن أمي ربما رأتني في منامها أضاجع حورية وهي كانت تعد لي السوط ᴉ ثم ننفجر بالضحك، لأنه في الحظة التي كان حسن يتحدث فيها عن الحورية المنكوحة، كان إمام المسجد يمر على بعد خطوتين منا، لكن لحسن الحظ أنه لم يسمع شيئا.

 كان يوما لا ينسىᴉ يوم ملئ بالسعادة، لأنه كما يقول حسن، كنا قد فهمنا نقطة البداية، كنا قد فهمنا أن هذا العالم لعبة نرد أعمى يرمى للصدف. فهمنا أن الألم نفسه مقيم في العبث وأن العدل ليس له مكان بين الناس. فهمنا أن الله نسينا على وادي الأموات مع كذبة كبيرة كبر الأرض كي نظل مستيقظين. نعم، الجنة هي أكبر خدعة تم اختراعها منذ بدأ الناس يموتون على هذه الأرض. فهمنا أيضا وبنفس الوقت أن كل هذا الهراء، هو أفضل ما بأيدينا للعيش وأن لا واد غيره، يمكن بأي حال من الأحوال، أن يلائم جماجمنا المدانة مع وقف التنفيذ. 

ألم يكن هذا هو السفر السعيد الذي تحدث عنه حسن؟ أن تعبر الألم وذكراه بابتسامة على الشفاه، وروح مطمئنة كطفل حديث الولادة؟ أن تقدم لوجه الأيام القبيح، ليالي مفعمة بالحب، بالمسامحة وبالفرح العميق؟ أن تعفو عن الاهل وتجد الأعذار لأخطائهم وتتجاهلها، أن تتحملها بدلا عنهم، لأنهم بشر أكثر من أكبر التقاة؟ كان حسن يقول، لو كان الله موجودا، كان بعث على الأقل ألف نبي إلى حينا وسيختارهم جميعا أطفالا انبياء بين السادسة من العمر والرابعة عشر. أنبياء ظرفاء صغار يشقون طريقهم  بمنتهى الإيمان في أسمى حج نحو الشجاعة، في أكبر مدرسة للصبر: الشارع الضيق للأرواح المحطمة والمولودة من جديد، حتى أن هناك من مات منهم في مهمة إنقاذ الأرواح الضالة في القبيلة. أطفال أنقياء مثل جمجمة ميت في ضوء ليلة مقمرة. بنفس ذلك الضوء الذي تسلطه شمعة على الروح في نظراتهم الملهمة. الأطفال المنسيون الذين نسيهم الله. الأنبياء الممسوخين الذين قدموا حياتهم -وتم نسيانهم- لكي يستمر العرضᴉ 

 أين هم اليوم جميعا: حميد، محمد، إبراهيم، سعيد، علي، عثمان، عبد الرحيم، خالد، بوشعيب، العربي، حنان، فتيحة، فاطنة، زهور، عيسى، حليمة، والآخرون؟ ماتوا جميعا في سبيل خدمة العلل الإلهية وإثبات ملكه العجيب وخاصة ترسيخ شهرته كأكبر عاشق لذاته. أين هم كل الأتقياء الذين تنزه لائحة أسمائهم عن كل الغواة وينصبون كملوك على ضمائر الناس ويمثلونهم أيضا؟ ما الذي فعله هذا الفرا نسوا داسيز، هذا المولي إبراهيم، هذه التريزا دافيلا، هذه اللاعائشة البحرية وآلاف آخرون ممن يلهموننا مثل هذه المخاوف، وهذا الوقار الممزوج بالكثير من النفاق؟ لا شيء، يحلف حسن.

 كانوا جميعا مبعدين عن العالم إلى أن أداروا ظهورهم له، ملتجئين إلى الأرضية بالصلاة المترفة، وعند موتهم، هتفوا للمعجزة " هكذا إذنᴉ فرانسوا الغبي ورحال الغاوي، قضوا سنوات عديدة في العزلة والصلاة، يطلبون من الله المغفرة ويدعون لنا، ما أعظمهم من رجالᴉ يجب أن ننصب لهم الأضرحة ونقدم لهم الشمع ونطلب منهم أن يشفعوا لنا عند الله لكي ينقذ مؤخراتنا من نار الآخرة".