الشطر العاشر من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

لايف ستايل - 16-04-2024

الشطر العاشر من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

اقتصادكم

 

يعود الصمت في كل مرة لكي يشهد على عجز البشر على ترجمة غضبهم. لكن ماذا كان تعقيب أمي ذلك المساء على تضحية سعيد بنفسه، تقول كما لو كانت تعلم أسرار الله: سيذهب سعيد مباشرة إلى النار، إن الله لا يحب الذين ينتحرون "؟ جملة من تلك القذارات. 

هذا ما قالته، لم أستطع أن أقذف برأيي في وجهها، لكني لم أفكر بغير أن عليها أن تصمت، صديقي الصغير مات للتو، وما كان منها سوى أن تخرج لنا آية من القرآن تعلمتها بشكل سيء، مستخرجة من دعاء في غير محلهᴉ أيها المقرفونᴉ كنت أفضل أن أكون مكانه. كنت أفضل الرحيل للبحث عن معنى لهذا الهراء عوض أن أظل هنا لأستمع رغما عني، لتفاهات أميᴉ لكني كنت جبانا لأتمكن من الوصول إلى شيء بهذا السمو. بلغ سعيد سلام روحه بينما كنت قد ضيعت بقايا روحي بين جنبات سماء موحلةᴉ تقبلت مثل الجميع ما حدث للتو، وأغرقت ألمي في أجساد الآخرين. 

لأعيش على شرف ديوني زوس متعا مما لم يكن مباحا عندنا. كان هذا الكفارة الوحيدة التي سمحت بها لنفسي: الاستنزاف الجسدي الكبير مع كل تجاوزاته وجنونه، مع الرفض مبدئيا لكل الأخلاق المحيطة. نعم، يومها بدأ طريق خلاصي باللون الأحمر، معي الموت كمرافق وحيد. بقي بعد ذلك أولياء الشوارع المظلمة والضيقة، والأنبياء الضالون الذين رحلوا دون أن يعلموا شيئا لمحيطهم، وإلا ما كانت اللامبالاة والازدراء والنفاق طعما للقبح. 

ماذا حدث لعائلة النبي الصغير؟ باختصار، غادر حسن وأصبح يصنع أفلامه مستعيرا من الجحيم عيونا لمأساته ورافضا العودة إلى بلده. موت أخيه الصغير تسبب له في الجنون لمدة عامين. عامين لتضيع الذاكرة على طريق يوم صيفي جميل. نجح حسن في التجوال لمدة عامين في غياهب الجنون المغرية.

 من ناحية أخرى، لم تكن عودته سهلة، وضعته زوجته بالمستشفى وأقفلت الباب خلفها. السيدة كانت باحثة وجنون زوجها لا يدخل في نطاق اهتمامها. ما كانت تريده هو البحث بعيدا في ذكريات أخرى عتيقة لا علاقة لها بها، ولا بالذاكرة الحية لزوجها الذي أصبح ظلاᴉ وكانت علياء هي من أخرجته من رميته في المستشفى وحيدا وفاقدا لكل أمل في الرجوع. الجميلة علياء ذهبت لنجدة صديقنا من حمقه، تعيده إلى بلده لكي تخبره بأن يستعد لما هو أسوأ، أنه في كل الأحوال عندما كانت الحياة على ما يرام، جعلتك ترى بكل الألوان، حتى أنها في أحيان كثيرة أهدتك قوس قزح جميل على هيئة خاتمةᴉ اختفى والده. لم نعد نسمع عنه أبدا. 

بعض الجيران قالوا بأنه أخذ حقيبته (وهو في كامل وعيه ابن العاهرة) دس بها بعض أغراضه والساعة التي كان يستخدمها لقياس حرارة الحياة والضرب أيضا، ثم ابتعد، حدث هذا عندما أخبره صديق بأن ابنه الذي أوشك على قتله بالضرب مستخدما خزام سرواله قد تعرض لحادثᴉ يبدو أنه لم ينطق كلمة، فقط سارع إلى أخذ ما تبقى من الخبز على الطاولة ومن تم اختفى كالبرق. منذئذ لا خبر، ترك الرجل كل شيء خلفه، زوجته وأبناءه، حتى الدفن وجنازة سعيد، تكفل بها بعض الناس في الحي لأن أمه منذ اللحظة التي علمت فيها بموت ابنها، فقدت عقلهاᴉ المرأة المسكينة التي قضت ست سنوات ترى صغيرها سعيد يتنطع بين جدران الغرفة التي تشبه القبر، خرجت من بيتها رغم تعنيف زوجها العزيز وأسرعت الخطى ترتدي بيجامتها ويهتز ردفاها الكبيران جراء مشيتها، تحت أنظار الذكور وضحكهم، باتجاه مكان الحادث.