اقتصادكم
لطالما كانت الروائح والألوان محفزا قويا للذاكرة، تلك المنظومة العصبية المعقدة، التي تتحكم في سلوك المرء، فلبرهة من الزمن، تنقله ذكرى جميلة من حالة حزن إلى فرح، بشكل يثير الدهشة. للعلامات التجارية أيضا ذلك التأثير، إذ يكفي مطالعة إحداها، حتى تتهاوى أدراج العمر ويعود شريط الحياة بتفاصيله الحلوة والمرة إلى الوراء.
علامات مثل "جرما" و"لاسيكون" و"أولماس" و"ستيام"، طبعت حياة المغاربة، ورافقتهم خلال محطات حياتهم المختلفة، وشكلت موضوع كتاب جامع حول قيمة العلامة وتأثيرها في المجتمع، حمل اسم "براند يور موروكو"، ضمن سلسلة لغات الجنوب، إذ يستعرض جون نويل كابفيفير، الخبير الفرنسي في العلامات التجارية، أبعادا جدية للعلامات، لا تقف عند حدودها التجارية المعروفة، بل تتعداها إلى ما هو أبعد من ذلك، باعتبارها صورة للدعاية والانفتاح الثقافيين على الخارج.
لطالما كان المغاربة أكثر الشعوب استهلاكا للسكر، بل تمركزت المملكة بورصة السكر العالمية في زمن غابر. عادات شرب الشاي بالنعناع واستهلاك الحلويات التقليدية، جزء من نمط الحياة المغربية، وهنا اقتطعت "كوسيمار" لنفسها مكانة خاصة في النفوس، بمنتوجاتها المتنوعة من السكر، وعلى رأس "القالب"، الذي يحظى بتقدير خاص يصل إلى حد الغرائبية، فهو حاضر في العادات والمناسبات التقليدية، فيما كرست الشركة مكانتها في النسيج السوسيو اقتصادي لجهات السكر، بدعمها للفلاحين وتحسين محيطهم الاجتماعي، باعتبارها مقاولة مواطنة.
أحدت أول وحدة لتكرير السكر بالمغرب في 1929، تحت اسم "كوسيما"، أي الشركة المغربية للسكر، التي كانت تنتج 100 طن يوميا من قوالب السكر، فيما تستورد المادة الخام "السكر" من كوبا، قبل أن تشهد هذه الصناعة تحولا جديدا في سياق التطور، حين وقعت الدولة في 1967 اتفاقا مع شركة "سانت لويس" في مارسيليا، استحوذت بموجبه على 50 % من رأسمال شركة السكر، التي تحول اسمها إلى "الشركة المغربية للسكر والتكرير".
استثمرت الشركة في موقعها بالسوق، وظلت تحوز الحصة الأكبر، كما رسخت علامتها التجارية، قبل أن تستحوذ مجموعة "أومنيوم شمال إفريقيا" المعروفة اختصارا بـ"أونا"، على رأسمال الشركة في 1985، وتجميع وحدات إنتاج السكر لغاية ضمان نجاعة تدبيره، فيما تكرس هذا التفرد في الإنتاج وطنيا بعد ذلك، من خلال عملية اقتناء شركات السكر الأربع الأخرى في السوق من قبل "كوسيمار" في 2005، يتعلق الأمر بشركات "سوطا" و"سونابيل" و"سيكرافور" و"سيراك".
وتظهر المؤشرات التجارية لـ"كوسيمار"، إنتاج 1.65 مليون طن سنويا من السكر الأبيض المكرر، علما أن قصة المغاربة مع استهلاك قالب السكر لم تنتهي منذ عقود، إذ ما زال يسوق حاليا في مختلف نقط البيع، ويستحوذ على أكبر حصة استهلاك بما نسبته 33 %، فيما يعود سر التعلق به إلى شكله الفريد الذي ألفه المستهلكين، حين تم سكبه في أول قالب لتحضير السكر المكرر.