اقتصادكم - نورالدين البيار
إنه ارتفاع لأسعار المواد والخدمات والمنتجات لفترة طويلة، وينتهي في آخر المطاف إلى استفحال حالة ضعف القدرة الشرائية للعملة المحلية، أي انه بنفس المبلغ المالي يمكن للإنسان أن يشتري كمية أقل بنفس الجودة، من المواد والخدمات مقارنة بفترة ما قبل التضخم، والامر هنا يعني الشركات المنتجة والمستهلك على حد سواء.
هكذا يعرف خبراء الاقتصاد، التضخم الذي توقع بنك المغرب أن يبلغ هذا العام 4.7 في المئة مقابل انكماش في نسبة النمو لا تتجاوز0.7 في المئة.
في هذا التقرير يسلط اقتصادكم الضوء على ماهية التضخم، وخطورته على الاقتصاد الوطني، أفرادا ومؤسسات، وكيف يمكن تجاوزه.
إن ’’ تقييم مستوى التضخم يتم بمؤشر للأسعار عند الاستهلاك، حيث يُمَكن عمليا هذا المؤشر من تقييم وضبط نسبة التغيير الشهري الذي تعرفه قيمة سلة من المواد والمنتجات والخدمات المختلفة التي تمثل الاستهلاك النهائي للأسر والأفراد، مع الحرص على إسناد معامل لترجيحي لكل مكون لهذه السلة من المواد والمنتجات والخدمات وذلك بحسب أهميته في الحياة اليومية للأسر، وطبيعة عاداتها الاستهلاكية من سكن وتعليم وصحة ونقل إلى غير ذلك’’. يقول الخبير المالي هدي غريب.
أسباب التضخم وأنواعه
ويبسط غريب في حديثه مع اقتصادكم أن حدة خطورة ظاهرة التضخم على اقتصاد ما تكون بحسب المسببات التي تكمن وراء وقوعها، ومنها:
1- التضخم بسبب كلفة الإنتاج، بالنسبة للشركات وهو ينجم عن غلاء المواد الأولية لأسباب مختلفة، او ارتفاع الرواتب في بعض الحالات الاستثنائية، - ندرة اليد العاملة وتراجع العطالة- مما يجبر الشركات على رفع مستوى الرواتب لجلب الأجراء وتأمين اليد العاملة، وللحفاظ على هوامش ربحها تعمد الشركات المعنية للرفع من أسعار منتجاتها وخدماتها.
2- التضخم عن طريق الإفراط في عملية إصدار النقود سواء عن طريق البنوك التجارية وعندما تعمد البنوك المركزية، لتمويل العجز العمومي بتشغيل مطبعة الأوراق النقدية. وهو الأمر الذي من شأنه أن يخلق فائضا في مستوى السيولة المالية داخل الاقتصاد مقارنة بالمنتجات والخدمات المعروضة، ومن تم تظهر بوادر التضخم مع تأجيج الطلب وانخفاض سعر الصرف.
3- التضخم المستورد.. إذ بفعل انخفاض سعر الصرف للعملة المحلية، مقارنة بالعملات العالمية الرائدة على مستوى التجارة العالمية كالدولار واليورو، ينجم تصحيح تقني في اتجاه الارتفاع لتكلفة المواد والمنتجات والخدمات المستوردة.
ولعل المثال الأبرز في هذا الاتجاه، يخص ارتفاع أثمنة المواد الطاقية والفلاحية بالأسواق العالمية، التي تنعكس بالغلاء وارتفاع الأسعار بمختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى ولا تفرق بين الشركات والأسر والأفراد.
4- التضخم عبر الطلب: هنا الأمر يتعلق بسياق دقيق يخص تغيرات جوهرية على مستوى النمو داخل اقتصاد ما، أو بشكل أدق عندما يكون اقتصاد ما، على عتبة الخروج من مرحلة طويلة يطبعها ضعف بين لمستوى النمو الاقتصادي، او الخروج من نفق الركود الاقتصادي.
في هذه الحالة الشركات والوحدات الإنتاجية تسجل نوعا من التردد، في أخذ قرارات حاسمة للرفع الفوري من مستوى الإنتاج، لمواجهة الارتفاع الميكانيكي في مستوى الطلب الناتج في الأصل عن إقدام تلك الشركات والوحدات الإنتاجية على إطلاق مشاريع استثمارية، قصد تعويض فترة تواضع النمو، أو الركود الاقتصادي. مما يصاحب ذلك من خلق فرص جديدة للعمل وتوزيع رواتب جديدة تنافسية، من شأنها تحفيز النشاط الاقتصادي وارتفاع الطلب أكثر.
ويشدد الخبير المالي في هذا السياق على أن ’’ رغبة أصحاب الشركات ورؤوس الأموال في عدم المجازفة وانتظار تأكيد الإقلاع الاقتصادي الفعلي والدائم، يجعلهم يفكرون أولا في تصريف مخزوناتهم من المواد والمنتجات قبل الرفع من نسق إنتاجية وحداتهم الانتاجية التي استثمروا فيها مسبقا، وبالتالي يطول أمد تفوق مستوى الطلب على مستوى العرض ما يفاقم من مستوى التضخم.
خطورة التضخم على الاقتصاد
كيفما كانت الأسباب وراء التضخم فإن له أثارا وخيمة على الاقتصاد ككل، إذ يخلق نوعا من الشك لدى الشركات وأصحاب رؤوس الأموال بخصوص توقع مستوى الأسعار على المديين القصير والمتوسط.
ويرى هدي غريب أن هذا يدفعهم لاتخاذ مواقف تتسم بالحذر الزائد، فيما يخص برامجهم الاستثمارية لأنه وبكل بساطة لا يمكنهم توقع مستوى المردودية المحتملة لاستثماراتهم.
لافتا إلى أن نسبة التضخم مرتفعة قد تعطل الاستثمارات المنتجة، وتؤثر على إمكانية خلق نمو اقتصادي.
وبخصوص الأفراد والأسر، يعتبر الخبير المالي في حديثه مع ’’ اقتصادكم’’ أنه في ظل ارتفاع قوي في نسبة التضخم، وعدم وجود ارتباط بين نسبة ارتفاع الأجور وارتفاع نسبة التضخم، فإن ذلك ينعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر والأفراد الذين يجدون أنفسهم مرغمين على خفض مستوى استهلاكهم، كما وكيفا، بل وقد يلجؤون في بعض الأحيان للتخلي عن مدخراتهم لمحاولة الحفاظ على مستوى معيشتهم.
ارتفاع قوي في التضخم قد يؤدي إلى انخفاض في أنشطة الشركات المحلية ويجعلها تخفض من انتاجيتها مما يقود إلى رفع نسبة العطالة.
نسب تضخم قوية تفقد الشركات المحلية تنافسيتها في الأسواق الخارجية وهذا يؤدي إلى ضعف الصادرات. بالمقابل يكثر الطلب الداخلي على المنتجات الخارجية بفعل اثمنتها التنافسية وبالتالي ترتفع الواردات ومنه تفاقم العجز التجاري ككل.
الحلول الممكنة لتجاوز التضخم
يرى هدي غريب أن الحلول تختلف باختلاف مسببات التضخم، وتختلف من اقتصاد لآخر لأن معالجة الظاهرة في ظل اقتصاد متقدم يختلف عن آخر نامي.
وفي كل الحالات، لمواجهة التضخم ينبغي العمل على مرحلتين على الأقل:
- مرحلة أولى مستعجلة حيث يتم اتخاذ تدابير تقنية وعملية فورية للحد من التداعيات السلبية للتضخم على الاقتصاد المحلي.
-تفعيل ميكانيزمات تحديد الأسعار وتوسيع قاعدة المواد الضرورية التي من شأنها أن تدخل في إطار الدعم القبلي لصندوق المقاصة، كالطاقة والنقل والمواد الأساسية.
- ضخ مساعدات مباشرة ومدروسة لبعض الاقتصادات الحيوية.
- حماية المنتوجات الوطنية مرحليا من المنافسة الخارجية إلى غير ذلك.
أما المرحلة الثانية فتعالج الأسباب الرئيسية لمستوى التضخم عموما، فإذا كان التضخم بمستويات متحكم فيها فهو امر إيجابي، اذ ان التضخم المتحكم فيه على المدى البعيد يعتبر حافزا لخلق التوازن بين الادخار والتوفير ومنه يتم تجنب التآكل النقدي الذي قد يضعف القدرة الشرائية.
نفس الأمر بالنسبة للشركات ورؤوس الأموال، بحيث عندما تكون الرؤية واضحة، بنسبة تضخم معقولة يصبح حافزا للاستثمار بعد تلاشي الشكوك حول الأرباح.
بالمقابل فإن ظاهرة التضخم بنسب قوية تشكل مخاطر كبيرة على اقتصاد أي بلد، وبالتالي وجب التهييء له والتفكير بنموذج اقتصادي من شأنه ان يمتص ويستوعب بشكل بنيوي الظاهرة. وذلك بالعمل على تفعيل بعض الميكانيزمات، إضافة لتلك المعمول بها كلاسيكيا على مستوى بعض المؤسسات، كبنك المغرب ومكتب الصرف.
كمثال إعادة النظر في تحديد ورفع مستويات مكافأة الرأسمال البشري وخلق ارتباط وثيق بين الأجور وتغيير مستوى نسب التضخم، وأيضا خلق ارتباط وثيق، بين تحديد مستوى النفقات العامة للدولة، ومستوى النمو الاقتصادي ككل، والعمل على تحقيق توازن على المستوى الجبائي بين العمالة والأموال، أي بين الرأسمال لبشري والمالي، وكذلك تعزيز تنافسية حقيقية للمنتوج الوطني بالعمل الفعلي على تحفيف الأعباء الحقيقية للتكلفة كالعقار والطاقة وغيرها.