أضحت الصحراء المغربية سوقا واعدة للاستثمارات الأجنبية
اقتصادكم - صفاء الصبري
أضحت الصحراء المغربية سوقا واعدة للاستثمارات الأجنبية، ومن المتوقع أن تصبح قبلة لرؤوس الأموال بفضل إمكانياتها الاستراتيجية واللوجيستيكية ومناخ الأعمال المستقر الذي خلقه المغرب في هذه المنطقة على مدار السنوات الماضية.
وارتكزت جهود المغرب لجعل الصحراء المغربية قطبا اقتصاديا على النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي دشنه الملك محمد السادس في 2015، وبلغت ميزانيته الإجمالية 77 مليار درهم.
وهم هذا النموذج، قطاعات الفلاحة والثقافة والسياحة، والصيد البحري والنهوض بالثقافة الحسانية والخدمات الصحية والتعليم والتكنولوجيا المتطورة والبنيات التحتية.
وخلال السنوات الاخيرة عرفت الأقاليم الجنوبية مشاريع كبرى، همت تشييد الطرق، سيما الطريق السريع "تزنيت- الداخلة"، باعتباره مشروعا طموحا يتوخى تغيير الوجه الاقتصادي للصحراء المغربية، والذي بلغت كلفته 10 مليارات درهم.
أما المشروع الضخم لميناء الداخلة الأطلسي، فيجسد بشكل جلي مدى الطموح الكبير لهذا النموذج التنموي، والذي سيكلف إنجازه غلافا ماليا يصل إلى 12.5 مليار درهم على مدى 7 سنوات من الأشغال.
وعلى مستوى الموارد فإن المنطقة أنتجت من الفوسفاط خلال سنة 2020، 8,2 في المئة من مجموع الإنتاج الوطني في الأقاليم الجنوبية (1.06 طن من مجموع 37.44 مليون طن.
اقرأ أيضا: خبراء لـ’’ اقتصادكم’’: الزخم الدبلوماسي في الصحراء خلق فرصا استثمارية واعدة
كما أن شركة “فوسبوكراع“التي تقوم باستغلال هذا الفوسفاط توفر الآلاف من مناصب الشغل لفائدة سكان هذه المنطقة.
أما فيما يخص الصادرات، فتم تصدير5,6 في المائة من المجموع الوطني الذي يمثل الصادرات والمبيعات المحلية.
وفيما يخص الطاقة الريحية تحتضن مدينة الداخلة محطة الطاقة "هارماتان" الريحة بقدرة 900 ميغاوات على مساحة 10 آلاف هكتار، مع حقل مشترك لمراكز البيانات المعيارية تم تخصيصه لتوفير القدرة الحسابية للشبكات العالمية للبلوكشين (Blockchain)، كما يحتضن اقليم طرفاية رحبة ريحية قادرة على توليد طاقة كهربائية بقدرة منشأة تناهز حوالي 300 ميغاوات.
وتشتمل المنطقة على محطات ريحية كـ "فم الواد" بقدرة 50 ميغاوات ومحطتين بأخفنير بقدرة 100 ميغاوات لكل منهما.
أما بالنسبة للطاقة الشمسية فتعتبر محطتا الطاقة الشمسية "نور العيون 1 " و"نور بوجدور1" مشروعين رئيسيين لتعزيز التنمية المستدامة بالأقاليم الجنوبية.
ويشكل المشروعان إحدى المؤهلات الكبرى لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحافظة على البيئة في هذه المنطقة.
وتساهم هاتان المحطتان الكهرو ضوئيتان، واللتان تبلغ قدرتهما الإنتاجية الإجمالية 100 ميغاواط، في تعزيز شبكة الكهرباء الوطنية، مع إحداث حركية اقتصادية بالمنطقة عبر خلق فرص شغل هامة لفائدة السكان المحليين، بالإضافة إلى تثمين الموارد الشمسية.
ويعمل المغرب على إنجاز مشاريع، من بينها محطتي "نور العيون 2 " و "نور بوجدور 2 " ستصل قدرتها الإجمالية إلى 350 ميغاواط.
وعن مجال الصيد البحري في جهة الداخلة واد الذهب، بلغ حجم تفريغ المنتجات السمكية الساحلية والتقليدية 605 آلاف طن في2019، وهو ما يمثل 44 في المائة من الإنتاج الإجمالي الوطني.
وفي جهة كلميم واد نون، بلغ حجم تفريغ المنتجات السمكية الساحلية والتقليدية 160 ألف طن في سنة 2019، وهو ما يمثل 12 في المائة من الإنتاج الإجمالي الوطني.
وفي جهة العيون الساقية الحمراء، بلغ حجم تفريغ المنتجات السمكية الساحلية والتقليدية 446 ألف طن في سنة 2019، وهو ما يمثل 32 في المائة من الإنتاج الإجمالي الوطني.
ضعف التنمية الاقتصادية في الصحراء جعلها هدفا للاستثمار الخارجي
تقول مريم الشرقاوي الخبيرة في الاقتصاد، إن القارة الإفريقية بما فيها الصحراء المغربية بالرغم من كونها غنية بالموارد الطبيعية (الموارد السمكية، المياه، الأراضي الزراعية الغير مستغلة، المواد المنجمية والهيدروكربونية)، لا تزال تعرف مستويات ضعيفة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هذا الضعف بحسب الشرقاوي يجعل إفريقيا هدفا لاستراتيجيات الاستثمار الخارجي لكبرى القوى الاقتصادية العالمية وكذا الشركات المتعددة الجنسية، وهو ما يعد بديناميكية اقتصادية قوية في هذه القارة على مدى السنوات المقبلة.
وأوضحت الخبيرة في الاقتصاد أن مؤشر ضعف اندماج القارة الإفريقية في الاقتصاد العالمي، دليل على وجود إمكانيات هامة غير مستغلة، خاصة أن القارة الإفريقية تستحوذ على 4٪ فقط من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على المستوى العالمي، كما أن مشاركة إفريقيا في التجارة العالمية لا تتجاوز 2.5٪ مقارنة بـ 40٪ لأوروبا على سبيل المثال.
وأشارت الشرقاوي أن الصحراء المغربية، بحكم موقعها المتمركز على الحدود ما بين شمال وغرب إفريقيا، لديها كل المؤهلات الطبيعية واللوجستيكية والبشرية لتصبح مركزا إقليميا هاما للمبادلات التجارية بين المغرب ودول غرب إفريقيا من جهة، وبين المغرب والبلدان ذات الانفتاح البحري المشترك مع الساحل الأطلسي للصحراء المغربية (الساحل الشرقي للولايات المتحدة ، المملكة المتحدة، البرتغال، البرازيل …).
وبحسب الشرقاوي فإن المنطقة هي الأكثر استقرارا في شمال القارة الإفريقية من أجل إطلاق مشاريع استثمارية تستهدف منطقة غرب إفريقيا في إطار من الشراكة والتعاون مع المغرب مبني على مبدأ المصلحة المشتركة.
الاستثمارات في الصحراء لها أثر إيجابي في زيادة عائدات الدولة
الاستثمارات الأجنبية في الصحراء المغربية لها تأثير إيجابي إذ ستؤدي إلى زيادة عائدات الدولة من إدارة وتسيير مختلف المنصات اللوجستيكية والطاقية المستعملة من طرف المستثمرين، ناهيك عن الإرادات الضريبية المرتبطة بالأرباح التي تحققها الشركات الأجنبية المنشأة على الأراضي المغربية. تقول مريم الشرقاوي.
وعن أهمية الاستثمارات التي قامت بها الدولة المغربية في السنوات الأخيرة في منطقة الصحراء، ترى الشرقاوي، أن إطلاق مشاريع كبرى للبنية التحتية واللوجستيكية (الطريق السريع تزنيت - العيون -الداخلة ، ميناء الداخلة الأطلسي) ، بالإضافة إلى حقول إنتاج الطاقة المتجددة (مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)، ومشروع خط نقل الغاز المغرب – نيجيريا، هي مشاريع لا يمكنها إلا أن تقيم إيجابيا من طرف المستثمرين الأجانب الذين يرغبون في الاستفادة من توفر بنيات تحتية ومصادر طاقة منخفضة التكلفة وتحترم البيئة لبيع منتجاتهم وخدماتهم في كل من السوق المغربية وأسواق دول غرب إفريقيا وحتى السوق الأوروبية .
كما ستدفع هذه الاستثمارات الأجنبية أيضا الشركات المغربية لتسريع دخول السوق الإفريقية سعيا منها لتنويع اسواقها مع تزايد خطر دخول المنتجات الأجنبية إلى السوق المغربية، الأمر الذي من شأنه أن يساهم بشكل إيجابي في تقليص عجز الميزان التجاري من خلال الرفع من مستوى الصادرات المغربية.
وأوضحت الشرقاوي أنه يمكن للاستثمارات الأجنبية أن تساهم أيضًا في إنشاء سلاسل قيمة إقليمية ذات قيمة مضافة عالية من خلال تكوين شراكات ما بين مقاولات مغربية وأجنبية أو على الأقل تعزيز آليات نقل التكنولوجيا.
سوق مفتوحة على إفريقيا
إن البعد الجغرافي هو أول النقاط الجاذبة للمستثمرين إلى الصحراء، تقول الزهرة السعد، وهي مستثمرة في مجال السياحة وباحثة في مجال البيولوجيا البحرية بمدينة الداخلة.
وتضيف السعد في حديث مع ’’اقتصادكم’ ’أن مدينة الداخلة على الخصوص هي البوابة الجنوبية إلى إفريقيا وبالتالي فهي سوق مفتوحة على كل إفريقيا، وعلى جميع مستويات الاستثمارات والتعاملات التجارية.
منطقة الصحراء الأكثر استقرارا في شمال القارة الإفريقية
وأوضحت السعد أن المستثمر سواء الاجنبي أو المغربي يبحث بالدرجة الأولى على الأمن والاستقرار قبل أن يختار منطقة ما ليستثمر فيها وهذا الشرط متوفر في الصحراء بدليل الاستثمارات الكبيرة والضخمة في المنطقة في السنوات القليلة الماضية.
وتقول السعد إن أهم الشروط التي يبحث عنها المستثمر هي محفزات الاستثمار، وبالنسبة لجهة الداخلة على الخصوص، فإن أهم هذه المحفزات هو الوعاء العقاري الجاذب بالمنطقة، بالإضافة إلى أنها تتوفر على طبيعة خام لم تستغل بعد، سواء في شبه جزيرة الداخلة أو في باقي أماكن الجهة.
بالإضافة إلى ذلك فإن المنطقة غنية بالثروات البحرية التي تعد من أجود أنواع الثروات البحرية في جنوب المغرب، وباب الاستثمار فيها مفتوح على مصراعيه.
وشددت السعد على أن تسهيل المساطير وتقريب الإدارة يلعب دورا مهما في عملية الجذب، فالمستثمر لم يعد ملزما بالبحث عن الادارات المركزية، لا يحتاج للتنقل من أجل تحضير الملفات والأوراق.
وحسب السعد فإن الفضل يعود لتفعيل سياسة اللامركزية التي قربت المستثمر من الإدارة، وذلك عن طريق المركز الجهوي للاستثمار، والذي تتضمن وظيفته توجيه المستثمر ومتابعة مسار مشروعه.
المنطقة بحاجة ماسة للاستثمارات
مجال الخدمات والتجارة في المنطقة خام، وهي بحاجة ماسة إلى مراكز تجارية ومراكز ترفيه، والمستثمر سيجد الطلب مرتفعا جدا لهذا النوع من الاستثمارات. تورد السعد لـ ’’ اقتصادكم’’.
وتضيف ’’ أنه على مستوى اليد العاملة تتوفر الجهة على كفاءات عالية من الشباب الذين راكموا قدرا كبير من الخبرة في جميع المجالات من خلال المراكز والمدارس التكوينية.’’
تتوفر الجهة أيضا على جالية من جنوب إفريقيا أصبحت تشكل نسبة مهمة من السكان المحليين، وهم أكثر العناصر التي يمكن أن نتحدث فيها عن العامل البشري والطاقات الموجودة في المنطقة.
وتابعت أن العلاقات التي وطدها الملك محمد السادس مع العمق الأفريقي منذ رجوع المغرب للاتحاد الافريقي هي تصب في تعزيز التعاون الاقتصادي ودعمه، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الديبلوماسية على مستويات متعددة.
وتطرقت المتحدثة ذاتها إلى القنصليات الافريقية التي فتحت في الجنوب، معتبرة أن هذه التمثيليات الديبلوماسية كفيلة بأن تسهل لمواطنيها المستثمرين كل معاملاتهم بسبب تواجدها بالمنطقة، وتحفزهم أكثر على الاستقرار بالمنطقة.