دينامية إعادة التوطين.. أية فرص بالنسبة للمغرب؟

التحليل والرأي - 30-09-2022

دينامية إعادة التوطين.. أية فرص بالنسبة للمغرب؟

اقتصادكم

أدى توالي موجات الحجر الصحي في مواجهة الوضعية الصحية، وأزمات التموين في بعض المدخلات، وكذا  السياق الجيوسياسي الجديد، إلى انطلاق حركة لإعادة توطين الصناعات (Sourcing).

وتستفيد من هذه الدينامية الإجبارية عدة جهات، تعد مفضلة بالنسبة لحركة جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات استراتيجية، وذلك بغية تفادي الاعتماد على بعض المدخلات المستقدمة من الصين.

وفي ظل هذا الوضع، كيف يمكن للمغرب الرهان على موقعه الجغرافي بل وعلى جهود تحسين مناخ الأعمال وتعزيز جاذبيته لاستقطاب استثمارات مهمة تتعلق بإعادة التوطين؟

وبهذا الخصوص، قدمت حفصة البكري، الأستاذة الباحثة بالجامعة الأورو-متوسطية بفاس، تحليلا لمقتضيات حركة إعادة التوطين، مفككة رهاناتها بالنسبة إلى المغرب.

ولاحظت البكري، الباحثة في الاقتصاد الدولي، أن الأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا كشفت هشاشة نظام الإنتاج الأوربي، المعتمد بقوة على آلة الإنتاج الآسيوية، والمدعو إلى إعادة تشكيل نموذج توزيع الإنتاج على الجوار الأوربي.

وفي معرض جوابها عن سؤال حول الفرص التي يمكن أن تتاح للمغرب في ظل ظاهرة إعادة التوطين، أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي، في إطار سياسته التجارية الجديدة، يشدد على أهمية الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة. ويعتبر أن تعزيز صمود سلاسل القيمة العالمية يمر عبر تنويع سلاسل الإنتاج وتكوين مخزون استراتيجي حول الجوار الجنوبي على وجه الخصوص.

وفي هذا الإطار، أكدت البكري أن المغرب يتطلع بشكل مشروع لاستقبال وحدات صناعية/ خصوصا بفضل توفر المنظومات الصناعية الفعالة، وقربه الجغرافي من أوربا ورأسماله البشري المؤهل.

واعتبرت الخبيرة الاقتصادية أنه لكي يستفيد المغرب من حركة إعادة التوطين الإقليمية هذه، فإنه مدعو لتعزيز تموقعه في بعض القطاعات الاستراتيجية، ولاسيما في الصناعة الصيدلية، التي تتوفر على قدرات تصنيع غير مستغلة بشكل كاف، ولكن كذلك في الصناعة الغذائية التي يظهر فيها المغرب طموحا قويا للتموقع كفاعل رئيسي في الأمن الغذائي.

وأضافت البكري، أنه بالإضافة إلى هذه القطاعات الصناعية الحيوية، سيكون من الحكمة أيضا، تعزيز تموقع المغرب في قطاعات صناعية استراتيجية مثل أشباه الموصلات في صناعة السيارات.

وأوضحت أن الإدماج العرضي للتغيرات البيئية والرقمية في السياسات الصناعية، وتحسين أسس الاقتصاد الوطني من خلال الاستثمار في الرأسمال البشري والحكامة، يقعان في صميم الرهانات من أجل تعزيز تنافسية الصناعة المغربية في حركة إعادة التوطين الإقليمية.

وفي تقريره السنوي، أكد مجلس المنافسة أن إعادة هيكلة سلاسل القيمة العالمية، التي يبدو أنها تنتظم اليوم من خلال الأزمة الوبائية لكوفيد-19، تشكل مصدرا لحركة جديدة من الاستثمارات الأجنبية.

وأورد التقرير أنه، وفي هذا الصدد، تمثل إعادة التوطين الإقليمي "أحد السيناريوهات الأكثر جدية التي تقوم عليها إعادة الهيكلة هذه".

وأوضح المجلس في تقريره، أنه ومع إتاحة فرصة للمغرب، سيما في قطاعات السيارات والنسيج والمكونات الإلكترونية، تفرض إعادة التوطين الإقليمية شروطا معينة للجاذبية، والتي لا تقتصر على الإمكانات من حيث الموارد البشرية والطاقية والمادية، بل تتعدى ذلك إلى مناخ الأعمال وجهود السلطات العمومية من أجل تحسينه.

ومن جهة أخرى، فإن تحليلا صادرا في سنة 2021 عن المركز المغربي للظرفية، تحت عنوان "مناخ الأعمال: مؤهلات وتدابير التحسين"، شدد على أن دينامية إعادة التوطين الصناعية التي انطلقت منذ بضع سنوات تتجه، فيما يبدو، نحو التسارع كنتيجة لعدم اليقين الذي تتسم به فترة ما بعد الجائحة.

وتتموقع دول أوروبا الوسطى والشرقية، بحكم قربها وكذا جاذبيتها، كواحدة من الوجهات المفضلة لهذه الموجة الجديدة من الاستثمار الأجنبي المباشر. وأمام المنافسة من قبل دول وسط وشرق أوربا، لا يفتقر المغرب للمؤهلات. إذ إضافة إلى ميزته الجغرافية، فإن التقدم الذي أحرزه المغرب في التصنيف الدولي المتعلق بمناخ الأعمال، يعزز مكانته كوجهة جذابة بشكل متزايد للاستثمارات الدولية، بما في ذلك استثمارات إعادة التوطين، حسب تقدير المركز.