لحظة تتويج لطموح عمره عقود.. كيف يستعد المغرب ليكون واجهة عالمية سنة 2030؟

التحليل والرأي - 27-05-2025

لحظة تتويج لطموح عمره عقود.. كيف يستعد المغرب ليكون واجهة عالمية سنة 2030؟

اقتصادكم

 

بعد خمس محاولات غير موفّقة، حصل المغرب أخيرًا على شرف تنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، في تتويجٍ لمسار طويل من الطموح الرياضي والسياسي. هذا الحدث الرياضي لا يُعدّ مجرد مسابقة، بل فرصة تاريخية تسعى المملكة لاستغلالها لترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية، من خلال استراتيجية متكاملة تشمل تحديث البنى التحتية، تعزيز القوة الناعمة، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واسعة النطاق.

مونديال بطعم الانتصار السياسي والدبلوماسي

وفي تقرير مطول نشره مركز التفكير السباني "real instituto el cano"، يرى مراقبون أن الظفر بتنظيم مونديال 2030 هو نتيجة لرؤية سياسية بعيدة المدى، استخدم فيها المغرب أدوات "القوة الناعمة" لتقديم نفسه كدولة حديثة، مستقرة، ومنفتحة. ويأتي هذا الإنجاز تتويجًا لتحولات شهدتها الدبلوماسية المغربية، أهمها تنويع الشراكات الاستراتيجية والعودة القوية إلى الساحة الإفريقية.

وفي قلب هذا الطموح، يأتي ملف الصحراء المغربية، الذي ما يزال محور السياسة الخارجية للرباط. فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في عدد الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي المغربي، بدءًا من الاعتراف الأمريكي عام 2020، مرورًا بإسبانيا وألمانيا، وصولاً إلى فرنسا التي وصفت المقترح المغربي بأنه "الحل الوحيد الممكن" في يوليو 2024.

استثمار ذكي في القوة الناعمة

يُعدّ تنظيم كأس العالم أداة مثالية لممارسة "الدبلوماسية الرياضية"، خاصة في ظل إدراك المغرب لأهمية الصورة في العلاقات الدولية. عبر هذا الحدث، يسعى المغرب إلى تحسين سمعته على الصعيد الدولي، وإبراز نفسه كدولة قادرة على تنظيم أكبر التظاهرات العالمية، على غرار قطر في 2022.

ويُشكل مونديال 2030 فرصة لعرض "علامة المغرب"، باعتباره بلدًا يجمع بين الأصالة والحداثة، ويُروج لحقوق نسائية متقدمة (بفضل إصلاح مدونة الأسرة في 2004 و2024). كما يُعد منصة مثالية لترسيخ موقعه كوجهة سياحية عالمية، بهدف جذب 26 مليون سائح سنويًا بحلول نفس السنة.

مشاريع ضخمة... ورهانات داخلية

من أبرز نتائج الفوز بتنظيم المونديال، هو إطلاق مخطط واسع لتطوير البنية التحتية يشمل توسيع المطارات، تحديث شبكة الطرق والسكك الحديدية، وتشييد الملاعب، أبرزها "الملعب الكبير للملك الحسن الثاني" في الدار البيضاء، الذي سيضم 115 ألف مقعد، ما يجعله الأكبر في العالم.

وسيتم تحديث ملاعب مدن فاس، الرباط، طنجة، مراكش وأكادير، إلى جانب تحسين الخدمات الحضرية، خصوصًا في الأحياء الهامشية، بهدف القضاء على السكن غير اللائق بحلول 2030.

لكن، تبرز مخاوف من "مفارقة تنموية" في المناطق المهمشة، إذا تركّزت الاستثمارات في المدن الكبرى فقط، دون أن تمس الحاجيات اليومية للفئات الفقيرة، لا سيما في ظل السياق الاقتصادي الصعب الناتج عن الجفاف وارتفاع الأسعار. 

العلاقات المغربية الإسبانية... دفعة جديدة

يشكل تنظيم المونديال مع إسبانيا والبرتغال تتويجًا للتقارب المتزايد بين الرباط ومدريد، بعد دعم الأخيرة لمقترح الحكم الذاتي. فالعلاقات الثنائية شهدت تقدمًا كبيرًا في ملفات الأمن، مكافحة الإرهاب، والهجرة، كما تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين أرقامًا قياسية في 2024، ما يعزز هذا المسار التكاملي.

المونديال كأداة للتماسك الوطني

يُنظر إلى المونديال كفرصة لبناء إجماع وطني حول مشروع جماعي كبير يعيد الثقة في المستقبل، تمامًا كما فعلت إسبانيا سنة 1992 مع أولمبياد برشلونة وإكسبو إشبيلية، ما شكل حينها انطلاقة رمزية لعهد جديد.

مونديال 2030 ليس مجرد مسابقة رياضية بالنسبة للمغرب، بل رافعة استراتيجية لتأكيد حضوره القوي في إفريقيا والعالم. إنه مشروع دولة، يختبر قدرات البلاد في التنظيم والتواصل، ويعكس طموحها للعب دور ريادي في الساحة الدولية. غير أن التحدي الأكبر يكمن في ضمان عدالة الاستفادة داخليًا، وتفادي الوقوع في فخ الفساد أو التفاوتات المجالية، حتى يكون المونديال انتصارًا للجميع، لا لبعض النخب فقط.