اقتصادكم - محمد بوعزاتي
بينما تواصل الحكومة إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2026 في سياق اجتماعي واقتصادي مشحون، تتجه الأنظار إلى كيفية توجيه الإنفاق العمومي نحو القطاعات الاجتماعية الأساسية، وعلى رأسها التعليم والصحة والتشغيل، التي تشكل محور مطالب الشباب المغربي، وخاصة فئة “جيل زد”.
ورغم الجدل القائم حول ضرورة رفع الاعتمادات المالية لهذه القطاعات، يرى المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في ضعف الميزانيات، بل في سوء التدبير وضعف الحكامة داخل هذه القطاعات.
وأكد ساري، في تصريح لموقع اقتصادكم، أن “المشكلة ليست في الميزانيات، لأن المخصصات الموجهة للتعليم والصحة تعرف زيادات مهمة سنويا، بل في تدبير هذه القطاعات وغياب الرقابة والمساءلة، إلى جانب تفشي الفساد وضعف التأهيل البشري”، مبرزا أن “بعض المناطق لا تزال تعاني من ضعف كبير في البنيات التحتية رغم وفرة الاعتمادات المالية، وهو ما يعكس خللا واضحا في العدالة المجالية”.
حكامة ضعيفة وفساد مستشري
تشير المعطيات الرسمية إلى أن الإنفاق الاجتماعي ارتفع خلال السنوات الأخيرة بوتيرة مهمة، غير أن أثره على جودة الخدمات العمومية ظل محدودا. ويُجمع عدد من المتتبعين على أن ضعف الحكامة في تدبير المال العمومي وعدم فعالية آليات المراقبة والمحاسبة يُفرغان هذه الميزانيات من مضمونها التنموي.
ويبرز من تصريحات ساري أن التحدي لا يكمن في حجم التمويل، بل في ضمان النجاعة والشفافية في صرفه، خاصة في القطاعات الاجتماعية التي تتطلب إصلاحًا هيكليا في أساليب الإدارة والتدبير المحلي.
ضعف نجاعة الاستثمارات العمومية يحد من أثر ميزانية 2026
وفي الاتجاه نفسه، يرى المحلل الاقتصادي محمد جدري أن مشكلة ميزانية 2026 لا تتعلق بالأولويات المسطرة فيها، بقدر ما تتعلق بضعف نجاعة الاستثمارات العمومية.
وقال جدري، في تصريح لموقع اقتصادكم، إن “مشروع قانون المالية يتضمن أولويات مهمة كتقوية الدولة الاجتماعية، وتوسيع التغطية الصحية، وتحفيز الاستثمار، وهي توجهات إيجابية لا يمكن معارضتها”، غير أن “الإشكال يكمن في غياب المردودية الفعلية لهذه الاستثمارات، رغم ضخامتها”.
وأوضح أن “المنظومتين التعليمية والصحية تستهلكان ميزانيات ضخمة، تتجاوز 80 مليار درهم للتعليم و32 مليار درهم للصحة، لكن المخرجات تبقى ضعيفة مقارنة مع المعدلات الدولية”.
وأضاف أن “المؤشرات تُظهر أن المغرب يستثمر ما يقارب 345 مليار درهم سنويا، لكنها لا تترجم سوى إلى نمو اقتصادي محدود في حدود 3 إلى 4 في المئة، في حين أن المعدلات العالمية تحقق نسب نمو أعلى باستثمارات أقل”.
وشدد جدري على أن “المشكل لا يكمن في حجم الإنفاق العمومي، بل في ضعف نجاعة الاستثمارات العمومية وغياب ربطها بالأثر الاجتماعي والاقتصادي المباشر على حياة المواطنين”، معتبرا أن “محاربة الفساد تتطلب إرادة سياسية قوية، لأن غيابها هو ما يجعل المال العام لا يصل إلى مستحقيه”.
التشغيل… استراتيجيات بلا مردودية
في ما يتعلق بملف التشغيل، يرى ساري أن المغرب يعيش “إشكاليات بنيوية عميقة”، في ظل معدل بطالة بلغ 12.8%، مع نسب مرتفعة جدا في صفوف الشباب.
ويقول إن “الاستراتيجيات الحكومية التي رُصدت لها اعتمادات مالية ضخمة، كتخصيص نحو 14 مليار درهم، لم تُحقق النتائج المنتظرة”، مشيرا إلى أن اللجنة الوطنية للاستثمارات تعلن بشكل دوري عن مشاريع بمليارات الدراهم، لكن دون أثر واضح على مستوى خلق فرص الشغل أو تعزيز القيمة المضافة.
الحاجة إلى عدالة مجالية وتحفيز الاقتصاد المحلي
من جهة أخرى، اعتبر ساري أن ميزانية 2026 ينبغي أن تركز على تحقيق العدالة المجالية، مؤكدا أن “جيل زد لا يطالب فقط بزيادات في الأجور أو الخدمات، بل بفرص عادلة، وباقتصاد يربط التكوين والتعليم بحاجيات سوق العمل، بعيدا عن المقاربات المركزية التي أثبتت محدوديتها”.
التدبير قبل زيادة الإنفاق
ويرى المحللان الاقتصاديان رشيد ساري ومحمد جدري أن النقاش حول ميزانية 2026 يجب أن يتجاوز منطق “الإنفاق أكثر” إلى “الإنفاق بشكل أفضل”، من خلال إصلاح عميق لمنظومة الحكامة والشفافية وربط التمويل العمومي بالمردودية الاجتماعية.
فمن دون إصلاح آليات التدبير والمراقبة، ستظل الزيادات المالية رقمًا بلا أثر تنموي، فيما تبقى التحديات الاجتماعية والاقتصادية قائمة، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة على التوازنات الماكرو-اقتصادية للمملكة.
وكان مشروع قانون المالية برسم سنة 2026 قد حدد أربع أولويات كبرى، وفق ما جاء في المذكرة التوجيهية التي وجهها رئيس الحكومة إلى القطاعات الوزارية في غشت الماضي، من أبرزها: “تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمجالية”، و”توطيد أسس الدولة الاجتماعية”، و”تسريع الإصلاحات الهيكلية الكبرى”، و”الحفاظ على توازن المالية العمومية”.