المغرب يعيد رسم خرائطه الاقتصادية عبر شبكة موانئ تربط إفريقيا بأوروبا وأطلس المحيط

الاقتصاد الوطني - 14-10-2025

المغرب يعيد رسم خرائطه الاقتصادية عبر شبكة موانئ تربط إفريقيا بأوروبا وأطلس المحيط

اقتصادكم

 

يشهد المغرب تحولا استراتيجيا في بنيته التحتية البحرية، بفضل مشاريع ضخمة لتحديث وتوسيع الموانئ، في إطار رؤية شمولية يقودها الملك محمد السادس، تروم تعزيز السيادة اللوجيستيكية وتقوية الموقع الجيو-استراتيجي للمملكة بين إفريقيا وأوروبا والمحيط الأطلسي.

مشاريع مينائية متعددة، من طنجة إلى الداخلة مروراً بالدار البيضاء والناظور، تعكس هذا التوجه الطموح، وتضع المملكة في صدارة الدول الإفريقية التي تراهن على الاقتصاد الأزرق كمحرك للنمو والابتكار.

الدار البيضاء: محور استراتيجي للتجارة البحرية والسياحة

في هذا السياق، تم مؤخراً تدشين مشاريع كبرى لإعادة هيكلة وتحديث المركب المينائي للدار البيضاء، ضمن برنامج متكامل لتأهيل البنية التحتية البحرية، بميزانية تتجاوز 1,5 مليار درهم في أفق 2025.

ويضم المشروع محطة صيد حديثة تستوعب أكثر من 260 قارباً تقليدياً وحوالي مئة مركب للصيد الساحلي، إلى جانب حوض جاف بطول 240 متراً لتعزيز قدرات الإصلاح والصيانة. كما تم إنشاء محطة بحرية مخصصة للرحلات السياحية قادرة على استقبال 450 ألف مسافر سنوياً، مما يفتح آفاقاً واعدة أمام السياحة البحرية ويُعيد تموقع الدار البيضاء على خريطة الرحلات العالمية.

طنجة والناظور: قلب شبكة الربط الأورو-إفريقي

ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح في أقل من عشرين عاماً أحد أهم مراكز الشحن في حوضي المتوسط والأطلسي، يشكل نموذجا للنجاح المغربي في مجال البنية التحتية المينائية. هذا الإنجاز تعززه المنشآت الجديدة لميناء الناظور غرب المتوسط، الذي يُكرس تموقع جهة الشرق كمركز صناعي ولوجستي جديد، بفضل محطاته المتخصصة في المحروقات والمواد السائبة والحاويات، المرتبطة بشبكة سككية فعالة.

ويمثل ميناء الناظور نقطة ارتكاز رئيسية للتبادل التجاري بين أوروبا وإفريقيا، وخصوصاً في ظل الدينامية التي تشهدها منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية (ZLECAf)، ما يعزز من اندماج المملكة في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية.

الداخلة الأطلسية: بوابة الجنوب وممر المستقبل للهيدروجين الأخضر

جنوباً، يبرز مشروع ميناء الداخلة الأطلسي كأحد أكثر المشاريع طموحاً، باستثمار يتجاوز 12,6 مليار درهم وطاقة استيعابية تصل إلى 35 مليون طن سنوياً. ويُرتقب أن يكون هذا الميناء نقطة الانطلاق نحو ممر طاقي جديد يربط إفريقيا بأوروبا، من خلال تصدير الهيدروجين الأخضر، بما يتماشى مع الرهانات البيئية العالمية.

تعزيز الصمود وتكريس التنوع اللوجيستي

تشير مختلف المؤشرات إلى أن السياسة المينائية المغربية تندرج في إطار منظور تنموي مستدام ومندمج، يراهن على تقوية الصمود الاقتصادي أمام الأزمات، وتخفيض التبعية لنقاط عبور محدودة، عبر تنويع الموانئ وتخصصاتها.

ويؤكد الخبير الدولي في اللوجستيك، الحسين الشلاوي، في حوار مع "Finances news hebdo " أن المغرب "أدرك أن التنافسية لم تعد قائمة فقط على الإنتاج، بل على انسيابية سلاسل التوريد". 

ويرى أن المملكة نجحت في تحويل موقعها الجغرافي المتميز إلى رافعة استراتيجية، خصوصاً في ظل التحولات الكبرى التي يعرفها قطاع النقل البحري العالمي، من حيث كبر حجم السفن، واندماج الفاعلين الكبار، وظهور مشغلين عالميين جدد للموانئ.

رؤية خضراء واقتصاد متكامل

يتجلى البُعد البيئي في هذه الاستراتيجية من خلال اعتماد تجهيزات منخفضة الانبعاثات الكربونية، وتحسين إدارة الطاقة في الموانئ، وتشجيع سلاسل الإنتاج المحلية. كما تراهن الدولة، من خلال الوكالة الوطنية للموانئ وسلطة ميناء طنجة المتوسط، على التكوين، والرقمنة، والحوكمة الجيدة.

شبكة موانئ مترابطة... لمغرب متصل ومتوازن

يشكل الربط بين موانئ طنجة، الدار البيضاء، الناظور، الداخلة شبكة متماسكة قادرة على امتصاص الصدمات وتأمين استمرارية التدفقات التجارية والطاقة، مع خلق فرص استثمار وشغل جديدة في مختلف جهات المملكة.

وبفضل هذا التوجه، يُعزز المغرب موقعه كشريك محوري في سلاسل التوريد العالمية، وفاعل رئيسي في الأمن البحري الإقليمي، بما ينسجم مع رؤيته لتحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة، تجعل من الموانئ أكثر من مجرد منشآت لوجستية، بل رافعات استراتيجية للسيادة الاقتصادية والانفتاح الإفريقي.