اقتصادكم - أسامة الداودي
كشف تقرير بنك المغرب لشهر أكتوبر 2025 عن تباطؤ في وتيرة نمو القروض الموجهة للأسر والمقاولات، في مؤشر يعكس فتوراً في دينامية التمويل البنكي وتراجعاً نسبيا في الطلب على القروض.
هذا التباطؤ، يطرح تساؤلات حول وضعية الائتمان في السوق الوطنية وأثر ذلك على الاستهلاك والاستثمار في المرحلة المقبلة.
وفي هذا الصدد، فسر الخبير الاقتصادي والاستراتيجي أمين سامي تباطؤ وتيرة القروض بالمغرب مع نهاية شتنبر 2025 بعدة عوامل متداخلة، أبرزها ضعف الطلب على التمويل أكثر من أي تشدد في العرض البنكي.
وأوضح أمين سامي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن كلفة الاقتراض تراجعت بنحو 14 نقطة أساس لتستقر في حدود 4.84% خلال الربع الثاني من العام، ومع ذلك لم تشهد القروض تسارعا يُذكر، ما يعني أن المشكل لا يكمن في الأسعار، بل في تراجع الإقبال من طرف الأسر والمقاولات.
وأضاف سامي أن مؤشرات بنك المغرب كشفت عن انخفاض وتيرة تمويل المقاولات الخاصة من 1.0% إلى 0.8%، وتراجع تمويل المقاولات العمومية من 9.2% إلى 6.4%، بينما استقرت قروض الأسر تقريباً دون تغيير.
ويُبرز ذلك، حسب الخبير، أن الاقتصاد يعيش مرحلة حذر مزدوج، من جانب المقاولات التي تؤجل توسعها الاستثماري، ومن جانب الأسر التي تتريث في الإنفاق والاستهلاك.
"كما أن تباطؤ نمو الكتلة النقدية إلى 7.8% بعد أن كانت 8.3% يعكس فتوراً في المكونات الائتمانية الكلية" وفق ما ذكره سامي.
وتابع الخبير الاقتصادي أن السياق السعري الحالي، المتسم بتراجع التضخم إلى مستويات منخفضة ومعتدلة خلال النصف الثاني من السنة، ساهم في تقليص الضغوط، لكنه لم يحفز القروض بالشكل المتوقع.
وخلص إلى أن "التباطؤ المسجل يُعزى أساساً إلى ضعف الطلب نتيجة الحذر الاستثماري والاستهلاكي، مع بروز عامل ثانوي يتمثل في تشدد بعض البنوك تجاه المقاولات الصغيرة والمتوسطة".
وأكد أن "لا مؤشرات تدل على تشديد واسع في السياسة البنكية، خاصة مع استمرار انخفاض معدلات الإقراض خلال الربع الثاني من 2025" على حد تعبيره.
وفي ما يتعلق باتجاه السياسة النقدية، أوضح أمين سامي أن المعطيات الراهنة أمام بنك المغرب "تُظهر بوضوح أننا أمام ثلاثية اقتصادية متوازنة نسبياً: تضخم منخفض، نمو ائتماني متباطئ، وسيولة بنكية منضبطة".
واعتبر أن هذه المعطيات تمنح صانع القرار المالي هامشاً لموقف حيادي مع استعداد للمرونة إذا ما تعمّق التباطؤ الائتماني في الأشهر المقبلة.
وأكد الخبير الاستراتيجي أن تراجع أسعار الإقراض رغم ثبات سعر الفائدة الأساسي يوحي بأن بنك المغرب يفضل تفعيل قنوات تيسير ائتماني موجهة على المستوى الميكروي، من خلال برامج الضمان والدعم للمقاولات الصغيرة، بدل اللجوء مباشرة إلى تعديل السعر المرجعي.
وبيّن أن السيناريو الأرجح هو الإبقاء على سعر الفائدة الأساسي دون تغيير خلال الاجتماع المقبل، مع توسيع أدوات تمويل موجهة نحو المقاولات الصغيرة والمتوسطة ومشاريع السكن المنتج، طالما ظل التضخم تحت السيطرة.
وأشار سامي إلى أن أي خفض للفائدة يبقى مرهوناً بالبيانات الاقتصادية التي ستصدر في أكتوبر ونونبر المقبلين، خصوصاً ما يتعلق بتطور القروض والكتلة النقدية ومؤشرات الثقة.
أما بخصوص انعكاسات التباطؤ الائتماني على دينامية الاستهلاك والاستثمار، فقد أبرز الخبير الاقتصادي أن تراجع قروض الاستهلاك والسكن يشير إلى طلب أسري أضعف خلال الربع الرابع من السنة، مع تراجع ثقة الأسر وتباطؤ الإنفاق على السلع المعمرة والعقار.
وصرح بأن استقرار القروض الأسرية عند حدود 3% يمنع حدوث هبوط حاد في الطلب، لكنه لا يخلق زخماً جديداً للنمو.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن الاستثمار الخاص تأثر بدوره نتيجة انخفاض قروض التجهيز ورأس المال العامل، مما يدفع المقاولات إلى تأجيل مشاريعها الاستثمارية، خاصة الصغيرة والمتوسطة الأكثر حساسية للمخاطر.
وزاد موضحا أن القطاعات الأكثر تأثراً بهذا الوضع هي البناء والعقار التطويري وبعض الصناعات التحويلية، التي تعتمد بشدة على التمويل البنكي في دورة نشاطها.
وأضاف أمين سامي أن تباطؤ القروض ينعكس سلباً على المضاعف المالي للاقتصاد من خلال ثلاث قنوات رئيسية: ضعف الطلب النهائي، تراجع تكوين المخزونات، وتباطؤ تمويل سلاسل التوريد.
ومع ذلك، فإن انخفاض أسعار الإقراض يشكل عاملاً موازناً قد يساهم في دعم النشاط الاقتصادي تدريجياً إذا تحسنت الثقة.
واسترسل قائلا إن مواجهة هذا الوضع تتطلب إجراءات تحفيزية سريعة، تشمل برامج ضمان موجهة للمقاولات الصغيرة جداً، وتمديد آجال السداد الانتقائي، وتحفيزات ضريبية مؤقتة للمشاريع الإنتاجية، إلى جانب تسريع وتيرة صرف الصفقات العمومية كأداة مباشرة لدعم النشاط الاقتصادي.
وختم الخبير الاقتصادي والاستراتيجي بالقول إن المرحلة الراهنة تفرض على صانعي القرار المالي متابعة دقيقة للمؤشرات النقدية والقطاعية قبل اجتماع مجلس إدارة بنك المغرب المقبل، داعيا إلى التركيز على ثلاث نقاط رئيسية: نشر إحصائيات أكتوبر 2025 للتحقق من استمرار التباطؤ، رصد تطور أسعار الإقراض الفعلية، ومتابعة مؤشرات الثقة لدى الأسر والمقاولات.