اقتصادكم
تتجه العديد من البنوك المركزية نحو تبني إطار استهداف التضخم كآلية لتوجيه السياسات النقدية بشكل أكثر فعالية وشفافية. وفي المغرب، يطرح هذا التوجه نفسه بإلحاح، خاصة في ظل الانفتاح المتزايد للاقتصاد الوطني وضرورة تعزيز قدرة البلاد على مواجهة الصدمات الخارجية.
ويمثل استهداف التضخم خطوة ضرورية لتعزيز المصداقية النقدية، وتحقيق الاستقرار السعري، وخلق بيئة استثمارية واضحة. ومع اعتماد هدف واضح، وتواصل شفاف، وسياسة تدريجية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الاقتصاد الوطني، مما سيُسهم في دعم النمو، حماية القوة الشرائية، وتحسين مناخ الأعمال في المملكة.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي رشيد الفقير، في حوار مع "Finances news hebdo"، أن تحديد هدف رقمي صريح للتضخم هو الركيزة الأساسية لأي سياسة تعتمد على استهداف التضخم، وهو ما يتطلب من بنك المغرب تعبئة كل أدواته التحليلية والإحصائية والخبراتية لتحديد المستوى الأمثل لهذا الهدف.
أي هدف للتضخم؟
رغم أن معدل 2% يُعتمد على نطاق واسع من طرف بنوك مركزية كبرى مثل البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلا أن هذا الهدف أصبح محل مراجعة من طرف العديد من الاقتصاديين، خصوصاً في الدول الصاعدة.
حيث يدافع البعض عن اعتماد هدف أعلى من 2% من أجل تحفيز النمو الاقتصادي، خاصة في ظل الركود الذي عرفته الاقتصادات خلال السنوات الماضية.
بالنسبة للمغرب، فإن اختيار هدف للتضخم يجب أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الاقتصاد الوطني، دينامية سوق العمل، التوازن بين النمو ومحاربة البطالة، وكذلك نظرة الفاعلين الاقتصاديين للتضخم.
وينصح الخبير باعتماد نهج مرن لاستهداف التضخم، أي من خلال تحديد هدف ضمن نطاق محدد يسمح ببعض الانحرافات المؤقتة المرتبطة بالظروف الخارجية أو الأزمات المفاجئة، دون الحاجة إلى تدخلات نقدية مفرطة قد تضر بالاستقرار الاقتصادي الكلي.
التأثيرات المرتقبة على الائتمان، أسعار الفائدة وسوق العمل
من أبرز مزايا استهداف التضخم، حسب الخبير، أنه يعزز شفافية السياسة النقدية ويُحسّن توقعات الفاعلين الاقتصاديين، مما يُسهم في خفض أسعار الفائدة الحقيقية عبر تبني سياسات نقدية توسعية عند الحاجة؛ تشجيع الاقتراض طويل الأمد سواء للاستهلاك أو للاستثمار؛ دعم خلق فرص الشغل بفضل تحفيز النمو والإنتاجية.
كما أن التقليل من عدم اليقين المرتبط بتقلبات الأسعار يمنح المستثمرين رؤية أوضح، ويُشجعهم على اتخاذ قرارات تمويلية طويلة الأمد.
نماذج دولية ملهمة لبنك المغرب
تاريخياً، يعود أول اعتماد رسمي لإطار استهداف التضخم إلى نيوزيلندا سنة 1990، لتتبعها حوالي 30 دولة، من بينها اقتصادات نامية وناشئة مثل البرازيل (3% ±1.5%)، المكسيك، تشيلي، بيرو في أمريكا اللاتينية، جنوب إفريقيا وغانا على مستوى القارة الإفريقية.
وقد ساهم هذا الإطار في هذه الدول في تعزيز مصداقية البنوك المركزية، التحكم في توقعات التضخم، تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.
فرصة استراتيجية للمغرب
يرى الخبير أن الانتقال نحو استهداف التضخم يمثل مرحلة مفصلية في مسار تحديث السياسة النقدية لبنك المغرب. فمع الانفتاح المالي، والتقارب مع المعايير الدولية، وتحرير تدريجي لنظام الصرف، فإن المغرب أصبح مؤهلاً لتبني إطار مؤسساتي مرن وحديث يسمح له بتعزيز جاذبيته للاستثمارات الأجنبية المباشرة، تحسين تصنيفه الائتماني لدى وكالات التصنيف الدولية، خفض كلفة الاقتراض الخارجي بالنسبة للدولة والمؤسسات، ترسيخ مكانته كمركز مالي إقليمي في شمال وغرب إفريقيا.