اقتصادكم
في خطوة كانت منتظرة من طرف الفاعلين الاقتصاديين، قرر بنك المغرب خلال اجتماعه الفصلي الأخير، الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في مستوى 2.25%، وهي النسبة التي تم اعتمادها منذ مارس 2025.
وبدا واضحا أن هذا القرار يعكس توازنًا دقيقًا يحاول البنك المركزي الحفاظ عليه، بين التحكم في التضخم من جهة، ودعم دينامية النمو الاقتصادي من جهة أخرى، في ظل ظرفية دولية متقلبة، وضغوط داخلية متعددة ترافق الأوراش الكبرى المفتوحة.
تراجع التضخم وخفض المخاطر
أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت بنك المغرب لتثبيت سعر الفائدة، هو التراجع الملموس لمعدل التضخم خلال السنة الجارية، حيث انخفض من مستويات مرتفعة في 2022 و2023 إلى مستويات أكثر اعتدالًا في 2025، وهو ما أتاح للبنك بعض الهامش للمناورة دون اللجوء إلى رفع إضافي لسعر الفائدة.
وفق المعطيات الرسمية، حافظ التضخم على مستويات معتدلة، حيث بلغ متوسطه 1.1% خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2025، مع توقعات بنك المغرب بوصوله إلى 1% خلال السنة الحالية، قبل أن يتسارع إلى 1.9% في 2026، خاصة مع استقرار أسعار المحروقات والمواد الغذائية نسبيًا، وتحسن سلاسل التوريد الدولية.
تشجيع الاستثمار وتخفيف الضغط على المقاولات
رفع سعر الفائدة له آثار مباشرة على كلفة القروض سواء بالنسبة للأفراد أو المقاولات، لذلك فإن الحفاظ على سعر معقول ومعتدل مثل 2.25%، يُعتبر رسالة إيجابية للمستثمرين والفاعلين الاقتصاديين، خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعاني أصلًا من صعوبات في التمويل.
القرار يعكس رغبة بنك المغرب في مواكبة الدينامية الاقتصادية التي بدأت تعرفها بعض القطاعات، مثل السياحة، والصناعة التحويلية، والخدمات، والتي تحتاج لتمويلات ميسرة لتوسيع أنشطتها.
بنك المغرب: نمو إيجابي للنشاط الاقتصادي
وأظهرت المعطيات الأخيرة للحسابات الوطنية للفصل الأول من سنة 2025 استمرار النمو الإيجابي للنشاط الاقتصادي المسجل في 2024، مع تحسن ملموس في القطاعات غير الفلاحية.
وحسب بلاغ بنك المغرب، فإن هذه الدينامية انعكست على سوق الشغل، حيث شهد ارتفاعا في عدد مناصب الشغل منذ الفصل الثالث من 2024، غير أن الفصل الثاني من 2025 أظهر تراجعا ملحوظا في هذا النمو، خصوصا في قطاع الخدمات.
قرار تثبيت سعر الفائدة لم يكن بمعزل عن التوجهات الدولية، حيث أن العديد من البنوك المركزية حول العالم بدأت بدورها في تبني مواقف أكثر حيادية أو تيسيرية، بعد موجة من الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة خلال السنوات الماضية.
ورصد المجلس استمرار حالة اللايقين الناتجة عن السياسة التجارية الأمريكية، رغم إبرام عدد من الاتفاقيات الثنائية. كما أشار إلى أن الاقتصاد العالمي من المتوقع أن يواصل التباطؤ، وإن بوتيرة أقل مما كان مرتقبا في يونيو الماضي، مدفوعا بتراجع أسعار الطاقة، مع توقع استمرار التضخم في الانخفاض بتفاوت بين الاقتصادات المختلفة.
التريث بدل المغامرة
يمكن اعتبار قرار بنك المغرب قرارًا متزنًا وواقعيًا، يرمي إلى الحفاظ على استقرار الأسعار، دون خنق النشاط الاقتصادي.
التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة سيكون القدرة على تحفيز الاقتصاد دون إعادة إشعال فتيل التضخم، وهي معادلة صعبة تتطلب متابعة دقيقة وتنسيقًا مستمرًا بين السياسة النقدية والسياسات الحكومية.