مردودية الاستثمار في المغرب.. بين الأرقام المقلقة والرهانات التنموية

الاقتصاد الوطني - 03-09-2025

مردودية الاستثمار في المغرب.. بين الأرقام المقلقة والرهانات التنموية

اقتصادكم 

رغم المجهودات الكبيرة التي بذلها المغرب خلال العقدين الأخيرين لتشجيع الاستثمار، عبر تعبئة موارد مالية ضخمة، وتطوير البنيات التحتية، وتحسين مناخ الأعمال، إلا أن مردودية الاستثمار الكلية لا تزال دون المستوى المأمول. فالعلاقة بين حجم الاستثمار والنمو تبقى ضعيفة نسبيا، حيث تشير تقارير وزارة المالية والمندوبية السامية للتخطيط إلى أن كل نقطة نمو في الناتج الداخلي الخام تتطلب استثمارا يعادل 7 إلى 9 وحدات، وهو معدل مرتفع مقارنة بدول مثل تركيا أو فيتنام، التي تحقق نقطة نمو مقابل 3 إلى 4 وحدات فقط، ما يعكس ضعف الفعالية والجدوى الاقتصادية للموارد المرصودة.

وفي هذا الصدد، أكد مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي في آخر تقاريره، الذي توصل موقع "اقتصادكم" بنسخة منه، أن معدل المردودية العامة للاستثمار في المغرب، المعروف بمؤشر ICOR، ظل مستقرا في حدود 9,4 خلال السنوات الأخيرة. وهو ما يعني أن تحقيق 1% من النمو يتطلب ضخ استثمار يعادل 9.4% من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة وصفها التقرير بـ”المقلقة”، لأنها تعكس استهلاك الاقتصاد الوطني لاستثمارات ضخمة مقابل نمو محدود، دون تحويلها إلى قيمة مضافة أو فرص عمل مستدامة.

وأضاف التقرير أن المردودية تختلف بشكل كبير بين القطاعات، إذ تحقق بعض الأنشطة الصناعية التصديرية، خاصة في مجال السيارات والطيران، نسب نمو معتبرة وصادرات قوية، لكنها لا تخلق نفس القدر من فرص الشغل ولا تندمج بعمق في النسيج المحلي. وفي المقابل، تبقى قطاعات مثل الفلاحة التقليدية والصناعة الغذائية والحرف الصغيرة ذات مردودية ضعيفة، رغم ما تستفيد منه من دعم مالي وتحفيزات جبائية، ما يعكس خللا في توجيه الاستثمارات وغياب ربط محكم بين الموارد المحفزة والنتائج على أرض الواقع.

وأورد المصدر ذاته أن المعضلة الأبرز تكمن في محدودية أثر الاستثمار على التشغيل، حيث لا يزال معدل البطالة مرتفعا رغم تزايد حجم الاستثمارات. فقد بلغت البطالة سنة 2024 نحو 13,3% على المستوى الوطني، وتجاوزت 33% في صفوف الشباب الحضري، وهو ما يعزى إلى تركيز المشاريع الكبرى على الأنشطة الرأسمالية والتكنولوجيات الحديثة أكثر من اليد العاملة. هذا الأمر يفرز نموا غير دامج ويوسع الفجوة بين المؤهلين وغير المؤهلين، ويقلل من أثر الاستثمار على الفئات الهشة والمناطق المهمشة.

وأكد التقرير أن كلفة خلق منصب شغل قار في المغرب تتجاوز 500 ألف درهم، خاصة في المشاريع الصناعية الكبرى، وهو رقم مرتفع نسبيا يعكس غياب استهداف القطاعات ذات الكثافة الشغلية. كما أبرز أن الفجوة لا تزال قائمة بين مخرجات الجامعة والتكوين المهني وبين حاجيات السوق، ما يضعف قابلية التشغيل ويحد من قدرة الاستثمار على امتصاص العرض البشري الوطني.

وأشار التقرير إلى محدودية مساهمة الاستثمار في تعزيز السيادة الإنتاجية، حيث يتركز جزء مهم منه في أنشطة التجميع والتصدير دون بناء سلاسل إنتاج وطنية متكاملة. فمعدل الاندماج المحلي في بعض الصناعات لا يتجاوز 40%، وهو ما يجعل المغرب في موقع “المقاول من الباطن” بدل الفاعل الصناعي الكامل، ويبقي الاقتصاد الوطني رهينا بالتقلبات الخارجية.

ونبه التقرير في معطياته إلى ضعف ارتباط الاستثمار بالبحث العلمي والابتكار، إذ لا تتجاوز مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي 0,2% من الناتج الداخلي الخام، مقابل معدل عالمي يناهز 1,5%. وهو ما يفرط في فرص تطوير منظومات صناعية وطنية منافسة، ويقلص مردودية الاستثمارات على المدى البعيد في غياب سياسة واضحة لتحفيز المقاولات على الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا.