اقتصادكم – حنان الزيتوني
رغم الإقبال المتزايد على العمل لحساب الذات كبديل عن الوظيفة التقليدية، خاصة في صفوف الشباب، إلا أن تجربة نظام المقاول الذاتي بالمغرب كشفت عن صعوبات حقيقية في الاستمرار والاستقرار. فقد أظهرت التجربة أن عددا كبيرا من المسجلين في هذا النظام يجدون أنفسهم عاجزين عن مواصلة النشاط، بسبب ضعف التأطير، وهشاشة المداخيل، وغياب الحماية الاجتماعية الفعلية، مما يطرح أسئلة ملحة حول جدوى النظام في صيغته الحالية، وقدرته على مواكبة طموحات فئة واسعة من الباحثين عن الاستقلالية الاقتصادية.
دعوة للنقاش
وفي هذا الإطار، كشف محمد جدري، المحلل الاقتصادي، في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، أن الوقت قد حان لفتح نقاش عمومي جدي حول نظام المقاول الذاتي، من أجل تقييم مدى فاعليته وملاءمته للواقع الحالي.
وأوضح أن "الفكرة الأصلية من هذا النظام كانت نبيلة، وهدفت إلى إدماج فئات واسعة من العاملين في القطاع غير المهيكل داخل النسيج الاقتصادي الرسمي، من خلال تسهيلات ضريبية ومساطر مبسطة، لكن التجربة أظهرت انحرافا تدريجيا عن هذه الأهداف".
انحراف عن المسار
وأضاف المتحدث أن "العديد من المقاولات أصبحت تلجأ إلى فرض هذا النظام على المتعاونين معها، ليس لإدماجهم ضمن منظومة إنتاجية منظمة، بل للتخلص من التزاماتها الاجتماعية والقانونية، وعلى رأسها التغطية الصحية والتأمين عن حوادث الشغل".
وأشار إلى أن هذا الانحراف في الممارسة يفرغ النظام من مضمونه، ويحول المقاولين الذاتيين إلى فئة هشة بلا حماية فعلية، رغم الشكل القانوني الذي يفترض أنه يمنحهم استقلالية اقتصادية واجتماعية.
اختلالات ضريبية
وعلى المستوى الجبائي، أوضح جدري أن النظام الحالي يقدم نسبا مخففة للضريبة على الدخل، تصل إلى 0.5% للأنشطة الصناعية والتجارية، و1% للخدمات، "لكن المشكل يظهر حين يتجاوز رقم المعاملات السنوي 80 ألف درهم مع زبون واحد، حيث ترتفع الضريبة إلى 30%، وهو أمر مجحف ويشكل عبئا غير متوقع على المقاول الذاتي".
واعتبر أن هذا الشرط الضريبي لا يراعي طبيعة المشاريع الصغيرة والفردية، التي غالبا ما تعتمد على زبون أو اثنين، ما يجعل النظام في صيغته الحالية غير مستقر من الناحية الجبائية.
الحاجة للإصلاح
وشدد جدري على ضرورة إعادة تقييم نظام المقاول الذاتي، من حيث القوانين المؤطرة، والبنيات الداعمة، ومجالات التكوين والتأطير، لفتح المجال أمام المقاولين الذاتيين لرفع رقم معاملاتهم وتوسيع نشاطهم تدريجيا نحو أشكال تنظيمية أكثر تطورا، مثل المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
وأكد الخبير على أن "النقاش حول مستقبل هذا النظام لم يعد خيارا بل ضرورة، لضمان استمراريته كمحفز حقيقي على ريادة الأعمال، وليس كأداة للالتفاف على الالتزامات الاجتماعية".