اقتصادكم - نهاد بجاج
يواصل بنك المغرب مناقشة مستقبل السياسة النقدية في أفق الانتقال نحو مرحلة جديدة قوامها التحرير التدريجي لسعر صرف الدرهم، مع تبني سياسة استهداف التضخم، هذه الخطوة، التي أشار إليها عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، تطرح سؤالا جوهريا حول مدى قدرة النسيج الاقتصادي الوطني على تحمل هذا التحول.
فبينما يرى البعض أن هذه الخطوة حتمية في ظل ضغوط المؤسسات المالية الدولية والسياق العالمي، يحذر آخرون من انعكاساتها المحتملة على مقاولات هشة وأسر مثقلة بأعباء التضخم.
والي بنك المغرب، أوضح أن المرحلة المقبلة ستتجه نحو التخلي عن نظام الارتباط بسلة العملات (الأورو/الدولار)، مع اعتماد سياسة استهداف التضخم كإطار جديد لتوجيه السياسة النقدية. ويعني ذلك أن تحديد سعر الصرف سيترك أكثر لقوى العرض والطلب، بينما سيوجه سعر الفائدة الرئيسي نحو الحفاظ على التضخم في مستويات مضبوطة.
لكن الجواهري شدد على أن "النسيج الاقتصادي الوطني، وخاصة المقاولات الصغرى جداً، غير مؤهل بعد لتحمل صدمة هذا التحول"، وهو ما يعكس إدراكا رسميا لمحدودية المناعة الاقتصادية في الظرفية الحالية.
هشاشة المقاولات: الحلقة الأضعف
يوسف كراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، يؤكد هذه المخاوف، مشيرا إلى أن 95% من النسيج الاقتصادي الوطني يتكون من مقاولات صغيرة وصغيرة جدا، تعاني ضعفا في التنافسية وغياب قوة تصديرية، فضلا عن صعوبات متعلقة بالخزينة والتمويل
ويضيف كراوي في تصريح لموقع "اقتصادكم"، "رفع رقابة بنك المغرب في هذه الظروف سيجعل هذا النسيج المقاولاتي عرضة لصدمات أسعار الطاقة، وتقلبات الدولار أو الأورو، وهو ما قد يعصف باستقرار جزء واسع من الاقتصاد الوطني".
ويشير رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إلى أن نسبة لا تتجاوز 5% من المقاولات الكبرى والمتوسطة يمكنها مواكبة هذا الانفتاح النقدي، فيما الغالبية العظمى ستجد نفسها عاجزة عن مجاراة تقلبات السوق.
الأسر والقدرة الشرائية تحت الضغط
الأمر لا يقتصر على المقاولات وحدها، فالأسر بدورها غير مؤهلة لتحمل صدمات تحرير أكبر لسعر الصرف، فبعد موجة تضخمية أثرت بقوة على القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات البطالة، خصوصا بين الشباب، يظل أي انفلات في الأسعار مرشحا لتوسيع رقعة الهشاشة الاجتماعية، ويحذر كراوي من أن الانتقال السريع نحو نظام أكثر مرونة قد يؤدي إلى استيراد موجات تضخمية خارجية، ما يفاقم من الضغوط على المواطنين.
ومن جهة أخرى يرى الخبير الاقتصادي، أن نجاح سياسة الاعتماد على استهداف التضخم كآلية لضبط الأسعار، رهين بإصلاحات أوسع، فالمسألة برأيه لا تتعلق فقط برفع أو خفض سعر الفائدة الرئيسي، بل بضرورة مراقبة طرق تشكيل الأسعار داخليا، وتعزيز الإنتاج الوطني للحد من التبعية للاستيراد، فالتحكم في التضخم لن يتحقق إلا عبر نسيج مقاولاتي قوي قادر على تلبية حاجيات السوق المحلية وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، خصوصا في المواد الأساسية.
يرى كراوي، أن الاقتصار على أداة استهداف التضخم لن يكون كافيا، ما لم ترافقها سياسات داعمة، من قبيل إصلاح قنوات التوزيع، تشديد مراقبة الأسواق، وتشجيع الإنتاج المحلي لتعزيز التوازن بين العرض والطلب.
أما عن سؤال الجاهزية، فيؤكد المتحدث ذاته، أن المغرب لا يزال بعيدا عن شروط الانتقال إلى تحرير أكبر أو كلي لسعر صرف الدرهم، فالأسر تعيش تحت وقع هشاشة متزايدة بفعل موجات تضخمية مست قدرتها الشرائية، فيما يواصل معدل البطالة، خصوصا بين الشباب، ضغطه على النسيج الاجتماعي، وفي ظل هذه المعطيات، يعتبر أي تسريع في وتيرة التحرير مغامرة محفوفة بالمخاطر قد تهدد الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي معا.