اختلالات التقائية وتقييم السياسات العمومية بين الحكومة السابقة والحالية

الاقتصاد الوطني - 13-03-2022

اختلالات التقائية وتقييم السياسات العمومية بين الحكومة السابقة والحالية

محسن جولي - الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية

اقتصادكم - شعيب لفريح

هناك اختلالات ملحوظة على مستوى التقائية وتقييم السياسات العمومية، لم تستطع الحكومة السابقة أن تتجاوزها رغم عدة مجهودات مبذولة، وظلت الممارسة الحكومية إلى الآن متعثرة مع هذه البوصلة الأساسية، فهل ستستطيع الحكومة الحالية تحقيق تقدم وإنجازات تفوق سابقتها أم أنها ستقهقر إلى الوراء؟
 
فقد صدر يوم الخميس الماضي 10 مارس 2022 بالجريدة الرسمية قرار للوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم الأقسام والمصالح التابعة للمديريات المركزية للوزارة، حيث تضمنت الهيكلة أربع مديريات تحتهما أقسام ومصالح، ويتعلق الأمر بمديريتين للاستثمار والأخرى لمناخ الأعمال، ومديريتين الأولى للإلتقائية، والثانية لتقييم السياسات العمومية، وقد تم في هذه الهيكلة ضم جزء من اختصاصات الوزارة المنتدبة السابقة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة، فيما بقي جزؤها الآخر لدى وزارة الاقتصاد والمالية.
 
إن مفهوم التقائية وتقييم السياسات العمومية هو مفهوم إصلاحي حديث من ضمن مفاهيم أخرى أتى به دستور 2011، وهو مرتبط أشد الارتباط بإرادة الإصلاح السياسي، وهو آلية رئيسية من آليات الحكامة الدستورية، ويمكن أن يفقد مضمونه إذا تم استهلاكه والاقتصار عليه كتسميات وعناوين فارغة المحتوى التأثيري على الأداء العام والانفاق العام وعدم التوازن القطاعي والمجالي.
 
فالحكومة السابقة والتي قبلها أرست بعض الآليات وأنزلت بعض المقتضيات المتعلقة بدستور 2011 فيما يخص الحكامة الجيدة على مستوى التقائية السياسات، ووضعت بعض الآليات مركزيا وجهويا، لكن كل ذلك ظل دون المستوى المطلوب من حيث تعزيز الالتقائية المالية والميزاناتية وهيكلة الميزانيات القطاعية على أساس البرامج المقرونة بالأهداف ومؤشرات القياس، وكذلك من حيث عدم تضييع الفرص التنموية ذات الأهمية البالغة على النمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي، وقد ظل غياب الحق في الحصول على المعلومة كوسيلة رئيسية للتمكن من تتبع السياسات وتقييمها أحد أبرز الاختلالات رغم صدور القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة.
 
وقد اعترف رئيس الحكومة السابقة فيما يتعلق بالتقائية السياسات، وذلك أمام البرلمان بضعف مردودية الاستثمارات العمومية وضعف وقعها الاقتصادي والاجتماعي وعدم الاستجابة لطلبات المواطنين، كما اعترف بوجود نقص على مستوى غياب التكامل والانسجام فيما بين كثرة الاستراتيجيات والمخططات القطاعية واللجان بين الوزارية، وهذا في حد ذاته شيء يضرب في الصميم مبدأ التقائية السياسات العمومية والذي ما يزال قائما إلى اليوم إن لم يكن قد ازداد استفحالا
 
إن إصلاح الأمور المستفحلة يقتضي العمل على تحقيق الاندماجية الإلتقائية عبر التنسيق الشمولي وتكامل وتناسق الاستراتيجيات القطاعية والتكامل بين المشاريع وتعزيز الالتقائية فيما بين المتدخلين العموميين استراتيجيا وقطاعيا ومجاليا على مستوى التخطيط والتنفيذ ربحا للوقت والطاقات البشرية والموارد وتجنب الإنفاق التبذيري.
 
وإذا كانت هناك وزارة مختصة في شأن التقائية وتقييم السياسات العمومية، فهذا شيء إيجابي، غير أنه ينبغي التقدم على النقطة التي وصلت إليها الحكومة السابقة وليس التراجع بالممارسة الحكومية إلى الحقب السابقة، وبالتالي فالوزارة المنتدبة ملزمة بتقديم اقتراحات تتضمن الإجراءات والتدابير العملية والآليات المناسبة، للتقدم نحو تجويد الحكامة، فهي بمثابة مكتب دراسات كبير يجمع مختلف الدراسات ويستنتج منها خرائط العمل.
 
ويظل أمر أجرأة القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة مسألة أساسية لتتبع السياسات العمومية وتقييم الاستراتيجيات والبرامج القطاعية، من طرف مختلف الفاعلين والمتدخلين.