كيف نجح المغرب في دخول نادي كبار مصنعي السيارات؟

آخر الأخبار - 17-11-2025

كيف نجح المغرب في دخول نادي كبار مصنعي السيارات؟

اقتصادكم
 

استطاع المغرب أن يدخل نادي أكثر الأقطاب الصناعية في مجال صناعة السيارات، حيث بات يستقطب العديد من المستثمرين من مختلف الجنسيات وحقق نجاحا باهرا في هذا القطاع في مدة زمنية لم تتجاوز 15 عاما بعد دخول شركة "رونو" إلى المغرب. 

وساهم في هذا النجاح توفر اليد العاملة منخفضة التكلفة فضلا عن تميز المغرب باستقراره السياسي وببنياته اللوجستية التي تمكن من ربط سلاسل الإنتاج الوطنية بالأسواق الأوروبية في مدة زمنية قصيرة. ويؤكد تقرير صادر عن شركة Oliver Wyman صعود المغرب في هرم المواقع الصناعية الأكثر تنافسية في العالم.

وبالاستناد إلى معطيات التقرير، فقد تراجع متوسط تكلفة اليد العاملة لكل سيارة مصنعة إلى 273 دولاراً، وهو الأدنى على المستوى العالمي، محققا تقدما على رومانيا (305 دولارات) والمكسيك (414 دولاراً)، وهي نتيجة كانت لسنوات حكرا على الصين وتدل على انقلاب الموازين إذ "لم تعد الصين الدولة الأقل تكلفة في تصنيع السيارات، إذ حلّ محلّها المغرب ورومانيا»، حسب التقرير ذاته.

وسجلت تكلفة الإنتاج فجوة كبيرة بين الصناعة في المغرب وألمانيا على سبيل المثال حيث تبلغ تكلفة اليد العاملة 3,307 دولارات، ما يوازي أكثر من 12 ضعف التكلفة في المغرب. وحتى اليابان، المعروفة بكفاءتها، تسجل 769 دولاراً للمركبة. الفرق الشاسع في تكلفة اليد العاملة دفع الشركات الأوروبية وخاصة الفرنسية منها إلى نقل جزء كبير من إنتاجها إلى المغرب.

ما يزيد عن نصف المركبات التي تحمل علامة رونو والمباعة عالمياً تطرح اليوم في الأسواق من مصانع خارج فرنسا، ومن بينها حصة مهمة من مركب طنجة–ملوسة ومصنع PSA بالقنيطرة. 

لكن انخفاض أجور اليد العاملة مقارنة مع بلدان أخرى مصنعة، ليس وحده السبب في ما يحققه المغرب اليوم في مجال صناعة السيارات. فقد شكلت المملكة الاستثناء نتيجة استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتكوين الموارد البشرية، أما المصانع المغربية، التي غالباً ما تُبنى من الصفر وبمعايير حديثة، فهي تضاهي نظيراتها الأوروبية. كما يستفيد المصنعون من منظومة صناعية متكاملة تضم أكثر من 250 مورّداً، مثل Valeo وYazaki وLear، تُغذي شبكة واسعة من الصادرات. أما اللوجستيك البحري، الذي تقوده منصة طنجة المتوسط، له دوره في ضمان  التصدير السلس والانسيابي نحو أوروبا ما لا توفره دول أخرى مثل تركيا وتونس.

وانطلاقا من النقاط  المسترسلة بدأت المملكة المغربية تجني ثمار جهودها، حيث  لم تعد  مجرد ورشة تركيب وتجميع المركبات،  بل أصبحت فاعلا أساسيا  في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، بما في ذلك السيارات الكهربائية. والإعلان الأخير عن إنشاء Gigafactory في القنيطرة من طرف مجموعة Gotion High-Tech الصينية، بالشراكة مع الحكومة المغربية، يعكس هذا التحول الاستراتيجي نحو التنقل الكهربائي.

إعادة الهيكلة الأوروبية

أصبحت شركات السيارات الأوروبية الكبرى، التي تواجه ضغطاً على هوامش أرباحها وتنتقل نحو صنع المركبات الكهربائية، تجد في المغرب طوق نجاة. حيث يشدد تقرير Oliver Wyman على ضرورة خفض «العلامات الأوروبية الفاخرة» (مرسيدس-بنز، بي إم دبليو، أودي، جاغوار لاند روڤر، فولكسفاجن) لتكلفة العمل بنحو الثلث للحفاظ على هوامشها. 

وبالرجوع  لصعوبة خفض الأجور في ألمانيا أو بريطانيا، فإن الحلول تكمن  في إعادة تشكيل سلاسل القيمة: الاستعانة بمصادر خارجية، نقل الإنتاج، أو إنشاء مصانع جديدة في مناطق منخفضة التكلفة، هنا يبرز دور المغرب  لاستيعاب هذا الضغط فالقرب الجغرافي، واللغة، والاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي (اتفاق الشراكة، غياب الرسوم الجمركية) تجعله خياراً مثالياً. لكن تبقى مخاطر نفاد هذا النموذج مطروحة  فنجاح المغرب يعود إلى حد كبير إلى انخفاض الأجور، غير أن هذه الأخيرة تميل إلى الارتفاع مع ارتقاء البلد في سلسلة القيمة.

من جهتها تسعى الحكومة المغربية لإعادة تموقع القطاع نحو الجودة والاستدامة، وذلك عبر تشجيع المصنعين على الاستثمار في الابتكار المحلي وتكوين المهندسين. كما أن الاعتماد على عدد محدود من الشركات الأوروبية الكبرى يمثل مخاطرة هيكلية: فأي انكماش في السوق الأوروبية أو تحول استراتيجي لدى رونو أو ستيلانتيس ستكون له انعكاسات مباشرة على سوق الشغل  في البلاد.

هذا وحقق المغرب تقدما لا ينكره أحد في صناعة السيارات منخفضة التكلفة لكن الاستمرارية  ليست رهينة بانخفاض تكلفة الأجور فمحافظة المغرب على مكانته ضمن كبار مصنعي السيارات يفرض على المملكة تحويل هذه التنافسية الأولية إلى ميزة مستدامة قائمة على التكنولوجيا والجودة والابتكار المحلي. فبينما تجذب اليد العاملة الرخيصة  العاملة الرخيصة المصانع والاستثمارات فالعقول والكفاءات هي التي تحافظ على استقرار هذه المصانع.