اتصالات المغرب.. تقييم لمرحلة انتقالية جديدة

آخر الأخبار - 24-11-2025

اتصالات المغرب.. تقييم لمرحلة انتقالية جديدة

اقتصادكم

 

بعد أربع سنوات مثقلة بمخاطر تنظيمية غير مسبوقة، وانقسام قيمة السهم إلى النصف، يبدو أن اتصالات المغرب تدخل دورة جديدة. فمع تسوية الملفات القضائية، والتحالف الاستراتيجي مع "إنوي"، واستعادة الرؤية الواضحة، وتجديد آليات الحكامة، وضبط استراتيجيات التمويل، وعودة الثقة لدى المحللين، يسعى الفاعل التاريخي إلى طي صفحة مرحلة تركت أثراً عميقاً على علاقته بالسوق. 

على مدى نحو عقدين، هيمنت اتصالات المغرب على بورصة الدار البيضاء بشكل غير مسبوق. فقد ظلت لسنوات طويلة أكبر رسملة في مؤشر MASI، متفوقة بفضل مكانتها التجارية الريادية وهوامشها المريحة ووضعها المميز في سوق لم يكن يعرف المنافسة الشديدة. غير أن هذه الحقبة انتهت بشكل مفاجئ ابتداءً من سنة 2020، حين لحقت المسار البورصي للشركة تبعات القرارات التنظيمية. فقد فرضت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات غرامة بقيمة 3,3 مليارات درهم بسبب التعسف في استغلال الوضع المهيمن، تلتها غرامة إضافية قدرها 2,45 مليار درهم بعد عامين. ثم جاء نزاع “وانا” الذي انتهى في 2024 بإدانة تتجاوز 6 مليارات درهم.

انعكس هذا كله سريعاً على سعر السهم. فمنذ 2020 إلى مطلع 2023، فقد سهم اتصالات المغرب نصف قيمته تقريباً، ليختفي ما يناهز عشرات المليارات من درهم من رسملتها. ولأول مرة في تاريخها الحديث، أصبحت الشركة تُصنّف كـ”قيمة إشكالية”، يغلب عليها الخطر القضائي على حساب أساسياتها المالية.

ورغم هذا السياق، لم تُظهر النتائج المالية أبداً مؤشرات انحدار. ففي 2024، بلغ رقم معاملات المجموعة 36,7 مليار درهم مع ارتفاع طفيف على أساس ثابت. وظلت الهامشية التشغيلية (EBITDA) فوق 50%، وهو مستوى نادر في إفريقيا. أما صافي الربح فيدور حول 6 مليارات درهم. ويجمع المحللون اليوم على أن نموذج اتصالات المغرب يتمتع بمرونة استثنائية، وأن هوامشها القوية صمدت رغم المنافسة الشرسة وسياق تنظيمي غير مواتٍ منذ خمس سنوات. كما أن الفروع الإفريقية لمجموعة Moov Africa تواصل دفع النمو بقوة، مع توسع خدمات البيانات والإنترنت الثابت خارج المغرب والخدمات المالية عبر الهاتف النقال. وتشير تقارير البحوث إلى توقع نمو سنوي متوسط بنحو 4% في الأنشطة الدولية خلال السنوات المقبلة.

وفي ظل هذا المناخ المضطرب، شرعت المجموعة في مبادرات داخلية غير معهودة، من بينها الاتفاق الاجتماعي الموقّع مع النقابة الوطنية للاتصالات في يونيو 2025. وقد شمل زيادة أجور بنسبة 5% مع حد أدنى يناهز 500 درهم، في خطوة تهدف إلى استقرار المناخ الاجتماعي بالتزامن مع الاستعداد لدورة جديدة من الاستثمار والتحول الداخلي. وهكذا ظهر التناقض بوضوح: شركة قوية في نتائجها، لكنها محاطة بسردية سلبية فرضها محيطها التنظيمي والقضائي.

ابتداءً من نهاية 2024 وبشكل أوضح في 2025، بدأ التحول الفعلي. أولى الإشارات جاءت مع تسوية ملف “وانا”، ما سمح للمجموعة بتنظيف حساباتها وإغلاق واحد من أعقد الملفات التي أثقلت قيمتها لسنوات. ثم جاء الحدث الأبرز في مارس 2025 مع الإعلان عن شراكة استراتيجية بين اتصالات المغرب و"إنوي" بعد سنوات من التوتر. وتشمل هذه الشراكة تقاسم البنيات التحتية، وإنشاء شركتين مشتركتين، الأولى للأنترنت عالي الصبيب عبر الألياف البصرية (FiberCo) والثانية للأبراج (TowerCo)، إضافة إلى تسريع نشر الألياف وتوسيع شبكة الجيل الخامس باستثمارات تُقدر بـ4,4 مليارات درهم في مرحلتها الأولى. كما تخلى الطرفان عن المتابعات المتبادلة، مع خفض مبلغ التعويض إلى 4,38 مليارات درهم.

ويأتي هذا التطور في لحظة دقيقة تزامناً مع الاستعداد لإطلاق الجيل الخامس، الذي أصبح فعلياً منذ 6 نوفمبر 2025. وفي 28 يوليوز 2025، منحت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات رخص الـ5G للثلاثي: اتصالات المغرب و"وانا" و"أورنج"، مقابل 2,1 مليار درهم. هذا القرار وضع نقطة النهاية لمسار تنظيمي طويل، وفتح صفحة جديدة للاستثمار التكنولوجي.

يتفق المحللون على أن المجموعة تدخل دورة استثمارية أكثر كثافة. فرغم ارتفاع نفقات الاستثمار، فإنها تُعتبر ضرورية لإعادة تموقع الشركة في سباق الألياف والجيل الخامس. وتُقدَّر نسبة الاستثمار مقارنة بالرقم المعاملاتي بحوالي 22% خلال السنوات المقبلة، وهي نسبة عالية لكنها منسجمة مع طموحات الشركة ومع تنامي الاحتياجات الرقمية على المستوى الوطني.

وفي إطار هذا التحول، أطلقت اتصالات المغرب أول إصدار سندات خاصة بقيمة 3 مليارات درهم في 24 يونيو 2025، ما يعكس رغبتها في تنويع مصادر التمويل وتعزيز مرونتها المالية قبيل مرحلة رأسمالية جديدة. كما أولت اهتماماً لصورتها المؤسسية، حيث كشفت في 7 نونبر 2025 عن هوية بصرية جديدة بالكامل ترتكز على اللون الأحمر، الذي يُراد له أن يرمز إلى الطاقة والابتكار والالتزام ضمن رؤية “المغرب الرقمي 2030”. خطوة رمزية، لكنها تشير بوضوح إلى إرادة المجموعة استعادة موقعها والدخول في دينامية إيجابية جديدة.