الباعة المتجولون.. كتلة اقتصادية تبحث عن موقعها في الاقتصاد الرسمي

آخر الأخبار - 14-10-2025

الباعة المتجولون.. كتلة اقتصادية تبحث عن موقعها في الاقتصاد الرسمي

 

اقتصادكم-حنان الزيتوني

لا تزال ظاهرة الباعة المتجولين في المغرب تطرح تساؤلات معقدة تتعلق بالاقتصاد غير المهيكل، والعدالة الاجتماعية، وتحديات التشغيل، فبين عربات تملأ الأزقة وأصوات تنادي على السلع في الأسواق الشعبية، تتجسد ملامح فئة واسعة من المواطنين الذين يسعون وراء قوت يومهم بطرق غير نظامية، بعيدة عن مظلة الدولة والحماية الاجتماعية، ومع ذلك، يبرز سؤال محوري يفرض نفسه بإلحاح: هل يمكن تحويل هذه الفوضى الاقتصادية إلى طاقة إنتاجية منظمة تسهم في التنمية الوطنية؟.

ظاهرة تتسع رغم جهود التنظيم

قد عرفت ظاهرة الباعة المتجولين في المغرب خلال السنوات والعقود الأخيرة توسعا ملحوظا، حتى أصبحت جزءا من المشهد اليومي في المدن والقرى على حد سواء، ويعكس هذا التنامي، وفق العديد من المراقبين، وجود خلل بنيوي في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، خصوصًا فيما يتعلق بفرص الشغل، ومستويات التعليم، والتكوين المهني.

وفي هذا الصدد يقول المحلل الاجتماعي محمد اشتاتو: "ظاهرة الباعة الجائلين في المغرب تكثرت في السنوات الماضية والعقود الماضية، وذلك دليل على أن هناك خللا كبيرا في المنظومة التربوية والتعليمية، لأن معظم الباعة الجائلين انقطعوا عن الدراسة أو لم يتمكنوا من الوصول إلى الجامعة، هذا ما جعلهم غير قادرين على الاندماج في سوق الشغل النظامي، وبالتالي لجؤوا إلى العمل غير المهيكل."

وأضاف اشتاتو في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن هذا الوضع يفرض على الدولة المغربية التفكير في مقاربات جديدة، أكثر شمولية وعدالة، من أجل معالجة جذور الظاهرة بدل الاكتفاء بالحلول الأمنية أو التنظيمية الظرفية.

الإدماج الاقتصادي كرهان وطني

وأورد المحلل أن إدماج الباعة المتجولين في الاقتصاد الرسمي لا يعد فقط إجراء تنظيميا، بل هو خطوة ضرورية نحو تحقيق التنمية الشاملة، فهؤلاء يشكلون كتلة بشرية واقتصادية مهمة، يمكن أن تتحول إلى عنصر إنتاجي فعّال إذا ما تم تأهيلها وتكوينها بشكل مناسب.

وفي هذا السياق، أكد محمد اشتاتو قائلا: "يجب أن تندمج فئة الباعة الجائلين في الاقتصاد الوطني، من خلال إعادة تكوينهم أولا في مجالات اشتغالهم، وثانيا عبر بناء أسواق نموذجية مخصصة لهم في المدن والقرى، هذا من شأنه أن يمنحهم الاستقرار والكرامة، ويُسهم في تنظيم النشاط التجاري غير المهيكل."

وأضاف أن عملية التكوين تعد مدخلا أساسيا للتمكين الاقتصادي، لأنها تساعد هؤلاء على اكتساب مهارات مهنية وتجارية جديدة، مما يرفع من إنتاجيتهم ويسهم في تنمية الاقتصاد الوطني.

بين التحديات والآفاق

واستطرد المحلل نفسه قائلا: "يبقى إدماج الباعة المتجولين في المنظومة الاقتصادية الرسمية تحديا حقيقيا أمام صانعي القرار في المغرب، ما يتطلب رؤية شمولية تتقاطع فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية".

وأوضح أن نجاح هذا الإدماج لا يعني فقط تنظيم الشارع العام، بل يعني قبل ذلك إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن البسيط الذي يسعى، رغم الصعوبات، إلى تحقيق حياة كريمة بعرق جبينه.