اقتصادكم
قال مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، إن "إزدياد مخاطر غسل الأموال في السنوات الأخيرة يعتبر بمثابة ناقوس للخطر، دفع بالدول إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والإستراتيجيات لمكافحة هذا النوع من الإجرام الخطير"، موضحا في هذا الإطار، أن البلدان التي يكون موقعها الجغرافي في منطقة مهددة بمخاطر تدفق الأموال غير المشروعة، علما أن العصابات الإجرامية التي تنشط في هذا المجال أصبحت تتخذ أبعادا تنظيمية عابرة للحدود، وتستغل بعض المجالات التجارية والاقتصادية لإعادة توظيف الأموال المتحصلة من نشاطها الإجرامي، وهو ما يجعل من تعزيز التعاون والشراكة بين الدول، السبيل الأمثل لمكافحة كافة مظاهر الأفعال غير المشروعة العابرة للحدود.
وأضاف الداكي، خلال كلمة له ضمن أشغال المؤتمر الإقليمي لتعزيز التعاون القضائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحت شعار: "من أجل مقاربة مندمجة للتحقيقات والمتابعات في مكافحة غسل الأموال" بالرباط، أن طبيعة جرائم غسل الأموال تتسم بتداخل عدة أطراف في ارتكابها، واستعمال عدة أساليب وطرق لتمويه المصدر غير المشروع للأموال، وارتباطها بجرائم أخرى كتمويل الإرهاب والاتجار في المخدرات وغيرها، مما يجعلها جرائم مركبة وصعبة الكشف، تتطلب تظافر جهود أجهزة البحث والتحقيق، فضلا عن تفعيل آليات التعاون القضائي الدولي عندما تكون لها امتدادات عابرة للحدود.
وشدد المتحدث ذاته، على انخراط رئاسة النيابة العامة في الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال، والتي انبثقت بشكل أساسي عن توصيات مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط، على ضوء عملية التقييم المتبادل التي خضعت لها المملكة خلال سنة 2018، إذ عملت النيابة العامة على تنزيل جميع الإجراءات الواردة في خطة العمل الموضوعة من قبل المجموعة المذكورة، قبل أن تثمر هذه المجهودات وتحركات باقي الشركاء خروج المغرب من عملية المتابعة المُعزَّزة خلال هذه السنة.
وذكر رئيس النيابة العامة أنه من أجل مواصلة الانخراط بفعالية في تحصين المكتسبات المحققة، حرصت مؤسسته في إطار السياسة الجنائية التي تسهر على تنفيذها، على المضي قدما بنفس الدينامية وبفعالية أكبر في مسار مكافحة كافة مظاهر غسل الأموال، وفق إستراتيجية متكاملة تستحضر من جهة توصيات وملاحظات مجموعة العمل المالي، ومن جهة أخرى الخطة الوطنية المعتمدة من قبل المتدخلين والمعنيين بهذا الموضوع، وهو ما يبرز من خلال الدوريات التي وجهتها رئاسة النيابة العامة لقضاة النيابة العامة بمختلف محاكم المملكة، سيما الدوريتين المؤرختين على التوالي في 19 نونبر 2019 و 30 أبريل 2021، والتي حثت فيها النيابات العامة على تسريع الأبحاث القضائية، وتفعيل آليات التعاون القضائي الدولي بالشكل الذي يسمح بتعقب وتتبع الأموال ذات المصدر غير المشروع
ويبرز ذلك أيضا، حسب المصدر نفسه، عبر تعزيز آليات التنسيق والتعاون الوطني من خلال إبرام إتفاقيات شراكة وتعاون مع مؤسسات وهيآت وطنية، نخص منها بالذكر الاتفاقيات الموقعة بين رئاسة النيابة العامة والهيئة المغربية لسوق الرساميل، والمجلس الأعلى للحسابات، وبنك المغرب، والهيئة الوطنية للمعلومات المالية، ولقد ساهم التعاون مع الهيئة في الشق الخاص بطلب المعلومات في تمكين النيابات العامة من الاستفادة من خدمة GOmail (كَواميل ) التي تتوفر عليها الهيئة، والتي تسمح بالتبادل الفوري والآمن للمعلومات المالية.
أما بالنسبة للتعاون مع بنك المغرب فمكن، حسب الداكي، من إحداث آلية لدعم الأبحاث المالية الموازية والحصول على المعلومات المالية في وقت وجيز، وهو ما انعكس إيجاباً على مؤشرات أداء النيابات العامة والشرطة القضائية في التصدي لجريمة غسل الأموال، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى الارتفاع الذي عرفه عدد القضايا المسجلة في هذا الباب، إذ انتقل من 336 قضية سنة 2008 تاريخ دخول قانون غسل الأموال حيز التنفيذ، إلى ما مجموعه 2106 قضية عند نهاية سنة 2022، كما عرف عدد الأحكام الصادرة في قضايا غسل الأموال ارتفاعا ملحوظا خلال نفس الفترة، إذ ارتفع من 27 حكما إلى 177 حكما نهاية سنة 2022.
ومن أجل تقوية قدرات الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون وتمكينهم من المهارات اللازمة في مجال البحث في هذا النوع من الجرائم، عملت رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي على إعداد دليل عملي نموذجي للممارسين في حقل العدالة الجنائية، يتضمن الإطار القانوني الوطني والدولي لمكافحة غسل الاموال ، ويرسم مسارات البحث الجنائي في هذا النوع من الجرائم وفقا لما تتطلبه معايير مجموعة العمل المالي والاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن، كما يضم أيضاً مجموعة من الممارسات الفُضلى في مجال مكافحة غسل الأموال، إذ تم تعميمه على كافة قضاة النيابات العامة على الصعيد الوطني وباقي أجهزة إنفاذ القانون بالإضافة إلى الهيآت والمؤسسات الوطنية المعنية.