اقتصادكم
تشهد الشركات المدرجة في بورصة الدار البيضاء تحولات عميقة في ظل تصاعد الضغوط المناخية وتزايد متطلبات المستثمرين والأسواق العالمية، حيث باتت مواجهة التغير المناخي ضرورة استراتيجية، وأصبحت مصداقية الشركات المدرجة مرهونة بقدرتها على إثبات أن التزاماتها البيئية تترجم إلى أفعال ملموسة ومدعومة بالأرقام.
ورغم أن مسارات التحول ليست موحدة بين جميع الشركات، إلا أن المعايير تغيرت، ولم يعد يُقاس الأداء البيئي من خلال تقارير المسؤولية الاجتماعية، بل بالأرقام الصلبة المتعلقة بقدرات الطاقة المتجددة المثبتة، أطنان ثاني أكسيد الكربون التي تم تجنبها، والمبالغ التي تم جمعها عبر السندات الخضراء.
البيئة: معيار جديد للتنافسية
منذ سنة 1960، ارتفعت درجة الحرارة المتوسطة في المغرب بـ 1.4 درجة مئوية، أي أسرع من المتوسط العالمي، حيث اتسعت رقعة الجفاف وتناقصت الموارد المائية، وقد تُسجل تراجعاً بنسبة 20% بحلول سنة 2050. كما أن الفيضانات المتكررة تُبرز هشاشة البنية التحتية في عدد من مناطق المملكة.
في مواجهة هذا الوضع، قرر المغرب رفع نسبة الطاقات المتجددة في مزيجه الكهربائي إلى 52% بحلول عام 2030. من أبرز المشاريع الكبرى التي تقود هذا التحول: مجمع "نور" الشمسي في ورزازات، ومبادرة "عرض المغرب" الخاصة بالهيدروجين الأخضر.
القطاعات الكبرى تعيد رسم نماذجها
ضمن الشركات المدرجة، برز قطاع التعدين كأحد أبرز المتفاعلين مع التحول المناخي فقد قامت مجموعة "مناجم" ما بين 2021 و2023 بإنجاز تدقيقات طاقية صارمة وجرد شامل لبصمتها الكربونية. والتزمت بتقليص استهلاكها الكهربائي بـ 5%، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بـ 15% في أفق 2027، بالإضافة إلى دمج 75% من الطاقات المتجددة في عملياتها داخل المغرب. مستقبل المجموعة بات مرهوناً بقدرتها على تزويد الأسواق بمعادن "منخفضة الكربون"، تماشياً مع شروط التتبع البيئي المفروضة من قبل المشترين.
أما في قطاع إنتاج الكهرباء، فتعمل "طاقة المغرب" على تعزيز مصداقيتها عبر خطة لإضافة 1000 ميغاواط من القدرات المتجددة بحلول 2030، باستثمار يُقدّر بـ 1.6 مليار دولار. وتسعى بذلك إلى تقليص بصمتها الكربونية بنسبة 25%. ومع الارتفاع المستمر لتكلفة الطاقة، تراهن الشركة على مصادر الطاقة المتجددة ليس فقط لتحسين صورتها، بل لتصبح لاعباً محورياً في تأمين الطاقة للمملكة، في ظل هشاشة الاقتصاد أمام تقلبات أسعار الوقود الأحفوري.
البنوك: صمام تمويل الانتقال المناخي
الانتقال الطاقي لا يقتصر على الصناعيين فقط، فالبنوك المغربية باتت بدورها فاعلا مركزياً في هذه الديناميكية. ففي بداية عام 2025، كانت "بنك أفريقيا" أول مؤسسة تقدم إلى بنك المغرب استراتيجية مناخ متكاملة، تتماشى مع معايير IFRS S2 العالمية.
من جانبها، تمكنت "التجاري وفا بنك" من تقليص انبعاثاتها الكهربائية بنسبة 33% بين 2018 و2024، كما وضعت خارطة طريق بيئية حتى عام 2030. أما "البنك الشعبي المركزي"، الرائد في إصدار السندات الخضراء، فيواصل استثمار هذا الامتياز في تمويل مشاريع بيئية هيكلية.
ولم تعد هذه البنوك تلعب دوراً هامشياً، بل باتت تتحكم في توجيه تدفقات رؤوس الأموال وتحدد من يمكنه الاستفادة من التمويل الأخضر.
القطاع الأسمنتي: تحوّل تدريجي نحو الطاقة النظيفة
قطاع الإسمنت، المعروف بأنه من أكثر القطاعات تلويثاً، بدأ هو الآخر خطوات مهمة نحو التحول. ففي عام 2024، استطاعت شركة "لافارج هولسيم المغرب" تغطية 90% من حاجياتها الكهربائية بالطاقات المتجددة، وهو ما يشكل نقلة نوعية في مسارها البيئي.
عن "Finances news" بتصرف