اقتصادكم
أطلقت مؤسسة فريدريش ناومان ناقوس الخطر بشأن تداعيات التغيرات المناخية على الفلاحة المغربية، معتبرة أن الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة والتقلب الحاد في التساقطات المطرية يضعان صغار الفلاحين في وضع هشّ يهدد تماسك العالم القروي والأمن الغذائي الوطني على حدّ سواء.
وجاء في التقرير المعنون بـ “الزراعة تحت الضغط: التغير المناخي وأمن المغرب الغذائي” أن القطاع الفلاحي، الذي يعد أحد أعمدة الاقتصاد المغربي، لم يعد بمنأى عن اختلالات المناخ. فبمساهمة تناهز 14 في المائة من الناتج الداخلي الخام وتشغيل نحو 40 في المائة من اليد العاملة، تشكل الفلاحة ركيزة معيشية لأكثر من نصف سكان القرى، غالبيتهم من صغار المزارعين الذين يملكون مساحات محدودة لا تتجاوز خمس هكتارات.
التقرير أوضح أن المغرب يشهد خلال العقود الأخيرة تحولات مناخية مقلقة، أبرزها ارتفاع معدل الحرارة بحوالي درجتين مئويتين منذ مطلع القرن العشرين، وتراجع انتظام الأمطار التي باتت تتناوب بين فترات جفاف قاسية وأخرى من الفيضانات المفاجئة. هذه الظروف انعكست مباشرة على الإنتاج البعلي الذي يغطي حوالي 60 في المائة من الأراضي المزروعة، مما أدى إلى تقلبات حادة في مردودية الحبوب.
فقد سجل إنتاج القمح، على سبيل المثال، انهيارا كبيرا من 11.47 مليون طن سنة 2015 إلى 3.35 ملايين طن فقط في السنة الموالية، ما اضطر المملكة إلى تعزيز وارداتها لتغطية حاجيات السوق، وهو ما يمثل عبئاً متزايداً على ميزانها التجاري، حيث أصبحت واردات الحبوب تستهلك ما يقارب خمس عائدات الصادرات الوطنية.
ورغم الإصلاحات التي عرفها القطاع منذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر سنة 2008، يشير التقرير إلى أن النتائج لم تكن متكافئة بين مختلف الفئات، إذ استفادت الضيعات الكبرى الموجهة نحو التصدير من الدعم والتكنولوجيا، في حين بقيت الفلاحة الصغيرة تعاني ضعف التمويل وصعوبة الولوج إلى برامج المواكبة.
ويرى معدّو التقرير أن استمرار هذا التفاوت يعمق هشاشة العالم القروي ويقوّض جهود التكيف مع التغيرات المناخية، لأن الزراعة التقليدية تشكل جزءاً من التوازن البيئي والاجتماعي للمناطق الريفية، وتسهم في الحفاظ على التنوع الإيكولوجي والأنماط المعيشية المتوارثة.
ودعا التقرير إلى تحول هيكلي في النموذج الفلاحي المغربي نحو مقاربة أكثر إنصافاً واستدامة، تضمن دمج الفلاحين الصغار في الدورة الاقتصادية وتحفز الابتكار الزراعي في مواجهة التغير المناخي، بما يؤمن الاكتفاء الذاتي الغذائي ويحافظ على استقرار المجتمعات القروية.