اقتصادكم
في ظل الجدل المتصاعد حول أسعار المحروقات وتداعياتها على القدرة الشرائية، عاد تقرير مجلس المنافسة ليضع القطاع تحت المجهر، كاشفاً اختلالات بنيوية ومنبها إلى الحاجة الملحّة لإعادة تقييم آليات تحديد الأسعار وضبط ممارسات السوق.
وأكد الخبير والمحلل الاقتصادي ورئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، أن تقرير مجلس المنافسة حول سوق المحروقات يطرح معطيات بالغة الدقة، تكشف بوضوح استمرار شركات المحروقات في تحقيق أرباح مرتفعة في ظل شبه غياب للمنافسة.
وتابع علي الغنبوري، في تدوينة له بصفحته على "فيسبوك"، إن المجلس يبين بالأرقام أن هذه الشركات ما تزال تتعامل مع تراجع الأسعار الدولية بمنطق انتقائي يفتقر للشفافية، الأمر الذي يجعل المستهلك الحلقة الأضعف في سلسلة تحديد الأسعار.
وزاد الغنبوري موضحاً أن التقرير يؤكد أن تكلفة استيراد الغازوال انخفضت خلال الربع الثاني من سنة 2025 بما يقارب 0,98 درهم للتر، غير أن المواطن لم يستفد إلا من 0,47 درهم عند محطات الوقود.
وينسحب الأمر ذاته، وفق الخبير الاقتصادي، على البنزين، "حيث بلغ التراجع الدولي 0,61 درهم للتر، بينما لم يصل إلى المستهلك سوى 0,32 درهم، وهو ما يدل على أن جزءاً مهماً من الانخفاض يُحتفَظ به كهامش ربح إضافي بدل تمريره كاملاً للمواطنين".
وشدد الغنبوري على أن الفوارق الواضحة بين الانخفاض الدولي وسعر البيع المحلي تكشف إشكالاً عميقاً في بنية السوق، إذ إن نحو تسع شركات فقط تهيمن على أكثر من 81% من واردات وقدرات تخزين المحروقات، ما يجعل المنافسة شبه منعدمة، ويمنح تلك الشركات قدرة كبيرة على التحكم في الأسعار والتحكم في وتيرة الزيادات والانخفاضات.
وأضاف أن التقرير يلفت أيضاً إلى ما يسمى بـ “التعويض بين الفترات”، وهي ممارسة تعتمد على تمرير الزيادات الدولية بسرعة كبيرة، مقابل التباطؤ في عكس الانخفاضات، حفاظاً على هوامش ربح مريحة، وهو ما يجعل الوضع أقرب إلى الاحتكار الذي يؤدي في النهاية إلى إضعاف القدرة الشرائية للمواطن.
وفي هذا السياق، ذكر الغنبوري أن هذه المعطيات تفرض طرح أسئلة جوهرية بشأن مدى احترام شركات المحروقات لالتزاماتها التصالحية السابقة، ومدى التزامها بآليات الشفافية والتنافسية العادلة.
وأبرز أن جزءا كبيراً من التخفيضات لا يصل إلى جيوب المستهلكين، الأمر الذي يستدعي تفعيل إجراءات تنظيمية أكثر صرامة لضمان عدالة الأسعار، وكشف أسس احتسابها، وإلزام الشركات باحترام قواعد السوق ومبادئ المنافسة الحقيقية.
وأشار الغنبوري إلى أن ما كشفه التقرير يجب أن يشكل نقطة تحول في العلاقة بين هذه الشركات والجهات التنظيمية، معتبرا أن حماية المستهلك وإعادة التوازن للسوق يظلان أولوية تستدعي إرادة مؤسساتية قوية وتتبّعاً دقيقاً لكافة ممارسات الفاعلين في القطاع.