اقتصادكم
كشفت دراسة ميدانية حديثة عن ضعف كبير في استفادة الشباب المغربي من البرامج الوطنية والجهوية المخصصة لدعم ريادة الأعمال، إذ أوضح أكثر من 80 في المائة من المستجوبين أنهم لم يسبق لهم الاستفادة من أي مبادرة في هذا الإطار، مقابل 9,7 في المائة فقط أكدوا استفادتهم الفعلية، فيما عبّر 10,1 في المائة عن عدم معرفتهم أصلا بوجود مثل هذه البرامج.
الدراسة، التي أنجزها المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية بشراكة مع مؤسسة “فريديرش إبيرت” الألمانية، جاءت تحت عنوان “أولويات الشباب المغربي اليوم.. ماذا يريد الجيل الجديد؟”، واستغرقت عشرة أشهر من البحث الميداني، شملت توزيع 585 استمارة على شباب من مختلف جهات المملكة، أشرف على إعدادها الأساتذة الجامعيون رقية أشمال وسعيد خمري إلى جانب الباحثين يوسف الكلاخي والماموني احساين.
فجوة بين الطموح والدعم
أظهرت نتائج الدراسة أن 63,6 في المائة من الشباب يمتلكون فكرة مشروع أو مبادرة اقتصادية يرغبون في تطويرها، إلا أن أغلبهم يواجهون صعوبات حقيقية في تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع قائمة. فبينما عبّر 20,2 في المائة عن امتلاك مشاريع واضحة المعالم، أشار 41,4 في المائة إلى أنهم يحتاجون إلى دعم وتوجيه ومواكبة مؤسساتية، في حين 38,5 في المائة لا يفكرون حالياً في أي مبادرة اقتصادية.
التمويل.. العائق الأكبر
حددت الدراسة التمويل كأبرز العقبات التي تحول دون انطلاق الشباب في عالم المقاولة، حيث صرّح 80,7 في المائة من المستجوبين بأن صعوبة الولوج إلى القروض تشكل العائق الأساسي أمام مشاريعهم. وأكد التقرير أن “التمويل يمثل المدخل الرئيسي لأي مشروع، غير أن البنوك والمؤسسات المالية ما زالت تشترط ضمانات تفوق قدرات الشباب”.
وفي المرتبة الثانية، يأتي تعقيد المساطر الإدارية بنسبة 66,8 في المائة، تليه نقائص التكوين في مجال المقاولة بنسبة 55,7 في المائة، وهو ما اعتبرته الدراسة مؤشراً على “فجوة واضحة بين النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل والمبادرة الحرة”.
ضعف الوعي بالبرامج الحكومية
رغم تعدد المبادرات الموجهة للشباب مثل “فرصة” و“انطلاقة”، فإن نسبة من يعرفون هذه البرامج لا تتعدى 51,5 في المائة، مقابل 34,5 في المائة لا علم لهم بها، ما يعكس ضعف التواصل المؤسساتي مع الفئات المستهدفة وغياب آليات فعالة للتعريف بفرص الدعم المتاحة.
توصيات لتعزيز الثقة والمشاركة
دعت الدراسة إلى جملة من التوصيات الرامية إلى تعزيز ثقة الشباب وإشراكهم الفعلي في التنمية الاقتصادية، من بينها إحداث صندوق وطني لدعم المقاولات الناشئة يعتمد على معايير شفافة تراعي جدوى المشاريع واستدامتها، مع تبسيط المساطر الإدارية وتوفير مواكبة مؤسساتية مستمرة لفائدة حاملي الأفكار والمبادرات. كما شددت على ضرورة إشراك الشباب في عملية صنع القرار عبر تمكينهم من عضوية المجالس الاستشارية والهيئات العمومية، بما يضمن التعبير عن احتياجاتهم ومقترحاتهم بشكل مباشر.
إصلاح التعليم وربط الجامعة بالمقاولات
على المستوى التعليمي، أكدت الدراسة الحاجة إلى إصلاح شامل للمنظومة التربوية يهدف إلى الرفع من جودة التعلمات وربطها بسوق الشغل الوطني والدولي، من خلال تحديث البرامج الدراسية، وتحفيز البحث العلمي، وتعزيز الشراكات بين الجامعة والقطاع الخاص. كما أوصت بإدماج التربية المدنية والسياسية في المناهج الدراسية، وإعطاء التكوين المهني مكانة استراتيجية باعتباره رافعة أساسية للإدماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب، مع التركيز على الطاقات المتجددة، الاقتصاد الأخضر، التحول الرقمي، والصناعات الإبداعية باعتبارها مجالات مستقبلية واعدة.
وتخلص الدراسة إلى أن تشجيع روح المقاولة لدى الشباب المغربي لن يتحقق فقط عبر الخطابات أو البرامج المعلنة، بل يتطلب إرادة فعلية لإرساء بيئة داعمة للثقة والتمويل والمواكبة، حتى تتحول أفكار الشباب إلى مشاريع تنموية حقيقية تساهم في خلق الثروة وفرص الشغل.